للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشهرستاني في " نهايته " عن الأستاذ أنه قال: كل ما وقع على التعاون، فهو كسب للمستعين، وحقيقة الخلق هو وقوع الفعل بقدرته مع صحة انفراده به.

قال: وهذا أيضاً شرحٌ لما قاله الأستاذ أبو بكر: إن الكسب هو تعلق القدره به على وجهٍ ما، وإن لم يتعلق به من جميع الوجوه، والخلق إنشاءُ العين وإيجادها من العدم.

ولا فرق بين قوليهما وبين قول القاضي -يعني الباقِلاَّني- إلاَّ أن ما سمياه (١) وجهاً واعتباراً سمَّاه القاضي صِفةً وحالاً.

انتهى بحروفه من كلام الشهرستاني، وهو نقلٌ مُفِيدٌ لتضمنه نسبة وقوع الفعل على الوجوه التي يقبُحُ لوقوعه عليها إلى قدرة العبد على إنفرادها كما يأتي واضحاً في كلام الباقلاني.

وتحقيق مذهب هذه الفرقة الأولى يضاد معنى الجبر ويُنافيه، وذلك أن الذي ألجأهم إلى هذا اعتقادهم إن العبد بانفراده لا يقدر على شيء ألبتة إلاَّ بإعانة ربِّه ومالكه.

وعندهم أن الله قد خلق لعبده قدرة تؤثر في حدوث أفعاله، ولكن بشرط إعانة الله، كالعاجز الذي يحاول حَمْلَ الثقيل ويستعين عليه، فصارت إعانة الله عندهم هي شرطٌ في تمكين العبد واختياره، لا رافعة لذلك.

كما لو قال الله تعالى لعبدٍ ضعيف: احمل هذا الجبل العظيم، فقال:

إني لا أقدِرُ، فكيف تأمُرُني يا رب بما لا أقدر عليه؟ فقال الله تعالى: احمل وأنا أُعينُك، فإنه إن لم يحمل كان عاصياً، وإن حمل، كان مُطيعاً، ولم يكن حملُ الجبل فِعلَه وحدَه إلا مع حَمْلِ الله له معه.


(١) في (ش): سميناه، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>