وكذلك من ألقَاهُ العباد في الماء والنار عُدواناً، فإن إثمه عليهم لكونهم سبب موته، وموته فعل الله، ولو شاء لأنجاه، ففِعْلُ الله عندهم في هذا الجنس يسمى ابتلاءً وامتحاناً، ولا يُسمَّى إعانةً ولا محبةً ولا رضاً.
ويجب أن يضاف القدر المتعلِّق بقدرة العبد من هذه القبائح إلى العبد وحده، تحقيقاً لتنزيه الله تعالى وكمال تقديسه عن القبائح، وكمال عدله وحكمته فيما ابتلى به من تقدير وقوعها وأسبابها.
ومن ذلك قوله تعالى:{إنَّما النَّجْوَى من الشَّيطان}[المجادلة: ١٠]، وقوله:{إنَّما ذلِكُمُ الشيطانُ يُخَوِّفُ أولياءَهُ}[آل عمران: ١٧٥]، وقوله:{ومَا يَجْحَدُ بآياتنا إلاَّ الكَافِرونَ}[العنكبوت: ٤٧]، وفي آيةٍ:{إلاَّ الظَّالِمُونَ}[العنكبوت: ٤٩]، وفي آية:{إلاَّ كلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}[لقمان: ٣٢]، وقوله:{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ}[النحل: ١٠٥].
ومنه: قول الكليم عليه أفضلُ الصلاة والتسليم: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}[القصص: ١٥] وقول يوسف: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}[يوسف: ١٠٠]، وقول أيوب:{أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}[ص: ٤١] وسيأتي ذلك مبسوطاً مُطَوَّلاً في آخر هذه المسألة، وما ورد فيه من إجماع السلف والخلف.
وكذلك قد تجتمع كلمة المسلمين على نسبة الأمر إلى الله تعالى من جهة، وإلى العبد من جهةٍ كما يقولون في كثير من الأرزاق، وهي التي توقف على أفعال العباد واختيارهم كالصدقات وقضاء الديون، وما يُثَابُ عليه العبد كأنها من جهة اختيار العبد فيها وثوابُه عليها منسوبة إليه.
وليست المعتزلة تقول: إنها منسوبةٌ إليه من كل وجهٍ بحيث لا يُشْكَرُ الله عليها، بل هي مع ذلك رِزْقٌ من الله حلالٌ، منسوبةٌ إلى الله من سائر الجهات.