للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الأنبياء، فتقبُحُ طريق معرفة النبي لهم، نعم إنهم جاؤوا خطأً فاحشاً، وتخبَّطُوا تخبُّطاً عظيماً، لكن لما أقروا بذات الله وصفاته الذاتية، فيجوز أن لا يبلغ عقابهم عقاب الكفرة.

فإن قيل: إنهم كعبدة الأصنام، لأنهم يعبدون إلهاً فاعلاً للمعاصي والمنكرات، مُرِيداً للقبائح والسيئات، ومثله غير الله، وعبادة (١) غير الله كفرٌ.

قلنا: الجواب عنه من وجهين:

أحدهما: أنهم اعتقدوا صانِعاً للعالم غير جسمٍ واجب الوجود لذاته، قادراً عالماً حيّاً، لم يزل ولا يزال سميعاً بصيراً، وأقرُّوا به، فجاز أن يَنقُصَ عقابهم عن عقاب الكَفَرة.

والثاني: أن هذه الاختلافات ثابتةٌ في صفاته وصفات أفعاله بين أئمة العدل والتوحيد، وبين السنية وبين الأشعرية، وبين المرجئة وبين الخوارج وبين الشيعة، وكل واحدٍ من أرباب هذه المذاهب يعتقد أن ما يعتقده مخالفه غير الله تعالى.

فلو لزم من هذا تكفيرهم لزم تكفير هذه الطوائف الإسلامية بأسرها، وأنه شنيع وممتنع عقلاً وسمعاً وإجماعاً.

ألا ترى إمام المعتزلة أبا عليٍّ ينفي الأحوال، وابنه أبو هاشم يُثْبِتُها، والبغدادية ينفون الصفات والأحوال وقالوا بالأحكام، وكل واحدٍ يعتقد أن ما يعتقده مخالفه غير الله، أيحسُنُ تكفير أولئك الأئمة أو واحدٌ منهم.

فثبت أنه لا يجوز تكفير أحد (٢) من أهل القبلة إلاَّ من ثبت (٣) بالتواتر والإجماع كفره والله أعلم. انتهى ذلك (٤) بحروفه.


(١) في (أ): عباد، وهو خطأ، والمثبت من (ش) وهامش (أ).
(٢) في (ش): واحد.
(٣) في (ش): يثبت.
(٤) " ذلك " لم ترد في (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>