وقال الشيخ أبو الحسين في كتاب " المعتمد "(١) فيمن يجوز له أن يقضي بظاهر الخِطاب وعمومه: والواجبُ أن يقال: إنَّ منْ كان مِن أهل الاجتهاد، إذا لم يجد ما يَعْدِلُ بالحكم عن ظاهره، فالواجب أن يحمِلَه على ظاهره في تلك الحال، لأنه قد كُلِّفَ الاستدلالَ به، إما ليُفتيَ غيرَه وإما لِيُفتي نفسَه وغيرَه، فلا يجوز أنْ لا يُجْعَلَ له طريقُ إلى ما كُلِّفَ، سواء انتشرت السنن أو لم تنْتَشِرْ، إلا أنَّه إن لم تنتَشِرِ السُّنن، قطع المكلَّفُ أنه فرضهُ في الحال، وفرضُ مَنْ يستفتيه العملُ بظاهر ذلك الخطابِ. وجُوَّز أن يكونَ في السنن ما يعْدِلُ بالخطاب عن ظاهره، وإذا بلغه تلك السنة تغيَّر فرضُهُ. ولهذا يجبُ أن يجوز منْ عاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ممَّن غاب عنه، أن يكونَ ما يلزمُهُ مِن العبادات قد نسخه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإن لم يبلغ النسخ بعدُ، وأنَّه إذا بلغه النسخ، تغيَّر فرضُه، وتغيَّر فرضُ القياس عليه. انتهى.
فإن قلت: إن كلام الشيخ أبي الحسين هذا إنما هو في الحُكم قبلَ انتشار السُّنَنِ، فما الحكمُ عنده بعد انتشارها؟
قلتُ: قال أبو الحسين في " المعتمد "، قبل هذا الكلام ما لفظه: فإن كانَتْ قدِ انتشرت كعصرنا هذا، فالواجبُ أن يقضِيَ بعموم الخطاب، وثبوتِ حُكمه، لأن السنن ظهرت ظهوراً لا يخفي معه على من التمسها.
ولم يختلِفْ قول أبي الحسين -أن هذا حكم المجتهد بعد انتشارِ السنن- وإنما اختلف قولُهُ في حكمه قبل الانتشار، فقال مرة: لا يجوز له أن يقضيَ بالظاهر والعموم، لِعدم معرفته بالسنن، ثم رجع عن هذا القول إلى ما قدمنا من كلامه، واحتج بحديث معاذ، إِذ هو واضح الدَّلالة في