للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبد متى استقل بها، كان مستقلاًّ (١) بشيء، وإنما هي جهاتٌ للاستحقاق مثل تروك الواجبات، وتروك المحرمات عند المعتزلة، وما لم يكن شيئاً لم يحتج إلى ذلك.

فإن قيل: وهل يصح التكليف وتوابعه بغير شيء؟

قلنا: إن أردت بغير شيء لُغَويٍّ، أو بغير شيء شرعي، أو بغير شيء معقولٍ أنه يُطلب ويُستحق عليه الجزاء فلا يصح التكليف بغير شيء.

وإن أردت بغير شيء اصطلاحي، وهو الذات الذي يصح تصورها، ويعلق العلم بها منفردةً، فلا يصح بإجماع المعتزلة أيضاً.

فإن قلت: فإن الاختيار شيء، وقدرة العبد لا تؤثر فيه إلاَّ مع قدرة الرب.

قلت: السؤال مردود، فإن الاختيار ليس بشيء حقيقي، وإلا لزم المعتزلة ثبوته في العدم وهو محال، بل هو عدميٌّ إضافي.

ولا يُعلَمُ أحدٌ (٢) من المعتزلة -دع عنك أهل السنة- نص على أنه شيءٌ وجودي نصّاً، بل عند المعتزلة بأسرهم إلاَّ أبا الحسين أن الأشياء كلها ثابتة في الأزل، وأنه يستحيل تأثير قدرة الله تعالى فيها كيف إلاَّ قدرة العبد.

وإنما تؤثر عندهم قدرة الله وقدرة العبد في الأحوال التي ليست بأشياء، فكيف ينكرون على أهل السنة قولهم: إن الذي أثرت فيه قدرة العبد وحدها هو الاختيار وحده، وليس بشيء.

وقد احتج الرازي في " النهاية " -على أن الاختيار ليس بشيء حقيقي- أنه لو كان كذلك، لكان من جملة أفعال العبد المحتاجة في ثبوتها إلى الاختيار، فيحتاج كلُّ اختيارٍ يفعله العبد إلى اختيار آخر يختاره به، ويتسلسل إلى ما لا


(١) من قوله " فالجواب " إلى هنا، سقط من (ش).
(٢) في (أ): ولا نعلم أحداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>