سِحرٌ صريح، فلعله تاب منه إن شاء الله تعالى. انتهى.
فمن تشكيكاته ما تراه يصنع في المعجزات، فإنه في الكلام على التحسين والتقبيح من " المحصول " نفى الاختيار، ثم أورد من أدلة المعتزلة ما يلزم من نفي التحسين والتقبيح بطلان النبوة، وقرر ذلك أبين تقريرٍ، ثم إنه اقتصر في جوابه على المعتزلة بأن لهم من القواعد ما يقتضي بطلان النبوة أيضاً، ثم أورد ذلك وأوضحه وقرَّره أبين تقريرٍ، ثم ترك ذلك في كتابه على هذه الصفة.
وما يزيد أعداء الإسلام على ما صنع شيئاً، بل لا يستطيع أعداء الإسلام مثل هذا، فإن كُتُبَهم مهجورةٌ، وهذا جعل هذا مقدمةً لأصول الفقه، أحد أركان علوم الإسلام، وصدر من أحد علماء الإسلام، وأخرجها مخرج الرد على المبتدعة، فنفوس أهل السنة قبل التأمُّل تميل إليها، وإذا تأملت، وجدته قرَّر بطلان النبوات على كلا المذهبين، تقريراً يعلم أنه يصعب على أكثر المسلمين الانفصال عنه.
فما هذا صُنْعَ المعتزلة والأشعرية، فإن الجميع يَسْعَوْنَ في تقرير النبوَّات، كما صنع القاضي عياض في كتابه " الشِّفا في التعريف بحقوق المصطفى "، وذكر الذهبي في ترجمة الجاحظ من " النبلاء " أنه جود الكلام في النبوات فرحمه الله (١).
وكذلك فليكن علماء الإسلام، وكذلك هذا الكلام الذي ذُكِرَ عن الرازي آنفاً فيما أودعه تفسيره قوله: إن مسألة الجبر والقَدَرِ وقعت في حيِّز التعارض بالنظر إلى العلوم، فإنه مما لا يخفى على مثله فساده، لأن استحالة التعارض بين العلوم مطلقاً، ثم بين العلوم الضرورية خاصة مما يعرفه المبتدىء في العقليات، وهو يمرض القلوب من كلا الطرفين، ويُشوِّش على أهل المذهبين، ويستلزم مذهب أهل التجاهل، وأنا لا ندري ولا يدري أنا لا ندري، وإذا
(١) بعد هذا في (أ) و (ش) بياض بقدر ثلاث كلمات، وكلام الذهبي هذا الذي أشار إليه المؤلف ليس في المطبوع من " النبلاء "!