للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتَّرك، فلو لم يحصل من العبد فعلٌ ولم يتصور ذلك بَطَلَ الوعد والوعيد، والثواب والعقاب، فيكون التقدير: افعل وأنت لا تفعل، ثم إن فعلتَ ولم تفعل فيكون لك الثواب أو العقاب على ما لم تفعل، وهذا خروجٌ عن قضايا الحِسِّ، فضلاً عن قضايا العقول، حتى لا يبقى فرقٌ بين خطاب الإنسان العاقل، وبين خطاب الحمار، فلا فصل بين أمر التَّسخير والتعجيز، وبين أمر التكليف والطلب.

قالوا: ودَعِ التكليف الشرعي، أليس المتعارف منا، والمعهود بيننا مخاطبة بعضنا بعضاً بالأمر والنهي، وإحالة الخير والشر على المختار، وطلب الفعل الحسن، والتحذير عن الفعل القبيح، ثم تُرَتَّبُ المجازاة على ذلك.

فمن أنكر هذا فقد خرج عن حد العقل خروج عناد، فلا يُناظَرُ إلاَّ بالفعل كمناظرة السُّوفِسْطائِيَّة (١) فيُشتَم ويُلطَمُ، فإن غضب من الشتم وتألم من اللطم، وتحرك للدفع والمقابلة (٢) فقد عرف بأنه رأى من الفاعل شيئاً يوجب الجزاء والمكافأة، وإلا فما له غَضِبَ منه، وأحال الفعل عليه.

والجواب من وجهين: أحدهما: الإلزامات على مذهبهم، والثاني: التحقيقُ على مذهبنا.

الأول: نقول: عَيِّنُوا لنا ما المُكَلَّفُ به، فإن القول بأن التكليف متوجِّهٌ على العبد ليس يُغني في تقدير أثر القدرة الحادثة وتعيينه.

فإن قلتم: المكلَّف به هو الوجودُ من حيث هو وجودٌ، لا من حيث كونه قبيحاً وحسناً، ومن المعلوم أن المطلوب بالتكليف (٣) مختلف الجهة، فمنه: واجبٌ مطلوبٌ فِعْلُه، ومنه: حرامٌ مطلوبٌ تَرْكُهُ.

وإن قلتم: المكلَّف به هو جهة الوجود، وهو الذي يستحق المدح والذم


(١) في (أ): السوفصطائية.
(٢) في (ش): والمقاتلة.
(٣) في (ش): أن المكلف به.

<<  <  ج: ص:  >  >>