للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على غير هذا المعنى، فإنه يجوز نسبة الخلق إلى العبد متى صُرِفَ عن ذلك المعنى إلى معنى التقدير، كما قال تعالى عن عيسى عليه السلام: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [آل عمران: ٤٩]، وكما قال سبحانه: {فتبارَكَ الله أحْسَنُ الخَالِقينَ} [المومنون: ١٤].

وكذلك الخلق بمعنى الكذب، قال الله تعالى: {وتَخْلُقون إفْكاً} [العنكبوت: ١٧]، وأما الخلق الذي يختص بالله تعالى هو إنشاء عين الذات، وعلى هذا قال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غيرُ الله} [فاطر: ٣] وأمثالها.

الموضع الثاني: ذكروا عنهم أنهم لا ينسبون الاختيار إلى الفاعل من العباد، وأنهم ينسبونه إلى الله تعالى، وهذا لم يصح عن الجبرية الأشعرية كما تقدم، فكيف بأهل الكسب؟

وقد تقدم تصريحهم بخلاف ذلك، وتكذيبهم في حكايتهم لمذاهبهم حرامٌ بالإجماع، ولو فتحنا باب التكذيب لأهل المذاهب لم تكن فِرقةٌ أولى به من فرقةٍ، ولانسَدَّ باب نقل المقالات عن أربابها.

الموضع الثالث: ذكروا عنهم أنهم يقولون: قدرة العبد على الكسب مقارنةٌ لمقدورها، فلا تؤثر فيه، ولا يخرجهم القول بالكسب عن الجبر. وهذا جحدٌ لصريح ردهم على الأشعري في قوله: قدرة العبد متعلقةٌ بفعله غير مؤثرةٍ فيه.

وقد تقدم تصريحهم بالرد عليه كما في كلام الباقلاني (١) الماضي، وسيأتي ردُّ ابن الحاجب عليه في مواضع من " مختصر المنتهى ".

وقد ذمَّ صاحب " الخارقة " منهم صاحب " الرادة " بأنه يرمي أهل الكسب بمذاهب أهل الجبر، ونص على أن الكسب غير معقولٍ، ويجتزىء بهذا القدر في إبطاله، وعابَه بهذا أشد العيب، وتمثل في الرد عليه بقول الشاعر:


(١) في (ش): بالرد عليه كالباقلاني، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>