للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى، فلو كان المراد بالعموم خلق بعض الأشياء لحَسُنَ من العباد مشاركته في مثل هذا التمدح بخلق كل شيء، وهم يريدون تقدير بعض الأشياء من النِّعال والأنطاع ونحو ذلك، ولا أعظم جنايةً على كتاب الله تعالى من تطريق مثل هذا إلى مماح آياته السنية، وصرائح نصوصه الجلية.

النوع الثالث: العام من غير تعليل، وهو كثير جداً، مثلُ قوله تعالى: {الله خَالِقُ كلِّ شَيءٍ} [الرعد: ١٦]، وقوله: {إنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} [القمر: ٤٩]، وقوله: {وخَلَقَ كلَّ شيءٍ فقَدَّرَه تَقديراً} [الفرقان: ٢] وهو كثير جداً.

وفي هذه الآية مع عمومها دليلٌ على بطلان دعوى الزمخشريِّ لقَصْرِ الخلق في الحقيقة على التقدير، لأن الله تعالى نصَّ على المغايرة بينهما، حيث عطف التقدير على الخلق في قوله: {وخَلَقَ كلَّ شيءٍ فقَدَّرَه تَقديراً} [الفرقان: ٢] فدل على أن الخلق في المعنى الذي نص عليه أهل السنة من إنشاء العين من العدم.

ومن الدليل على ذلك من السنة الصحيحة ما لا يُحصى، مثلُ حديث أبي هريرة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " قال الله تبارك وتعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلُقُ كخلقي، فليخلُقُوا ذَرَّةً، وليخلقوا حبَّةً أو شَعِيرةً ". خرجه البخاري آخر " الصحيح " (١).

وفي " الصحيحين " (٢) من حديث عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إن أصحاب الصُّوَرِ يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحْيُوا ما خلقتم ".


(١) (٥٩٥٣) و (٧٥٥٩)، وصححه ابن حبان (٥٨٥٩).
(٢) البخاري (٢١٠٥) و (٣٢٢٤) و (٥١٨١) و (٥٩٥٧) و (٥٩٦١) و (٧٥٥٧)، ومسلم (٢١٠٧) (٩٦)، وصححه ابن حبان (٥٨٤٥). وقد فاتنا أن نعزوه في تخريجنا لابن حبان إلى البخاري، وأحمد ٦/ ٧٠ و٨٠ و٢٢٣ و٢٤٦، وابن ماجه (٢١٥١)، فيستدرك من هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>