للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ترك قضاء الدين، وترك رد الودائع، ولا يُرَاعُون في ذلك القطع بأن التروك أمر وجودي، له حقيقة في الخارج كما له حقيقة في الذهن، بحيث لا يجزم عاقل على ذم من ترك قضاء الدين، ورد الوديعة، حتى يكون من ذلك على بصيرة، فجمهور النقلة لمذهب أهل السنة من خصومهم جهلوا أو (١) تجاهلوا مذهب أهل السنة وغَلِطُوا على جميع فرقهم.

فأما الفرقتان الأولتان، فإنهم وإن اتفقوا على أن أفعال العباد المقابلة بالجزاء مخلوقةٌ أنفسها، فإنهم متفقون على بقاء اختيار العبد لها، وأن اختياره لوجودها شرط في وجودها سابق على الوجود، وإن الاختيار ليس بشيء حقيقي، فلا يصح وصف الخلق بذلك كما مر تحقيقه.

ولا يلزمهم الجبر إلاَّ بنفي الاختيار، كما لم يلزم الجبرُ إمامي الاعتزال الجاحظ وثُمامة بن الأشرس وأتباعهما مع قولهما: إن قدرة العباد غير مؤثرةٍ في أفعالهم، وإنه ليس لهم فعل إلاَّ الإرادة، ثم اختلفا (٢):

فقال الجاحظ: إن المؤثر في أفعال العباد هو الطَّبْعُ الضروري الراجع إلى قدرة الله وخلقه.

وقال ثمامة: إن أفعال العباد حوادث لا مُحدِثَ لها،

وهذا شرٌّ من قول هاتين الطائفتين، لأنه يستلزم جواز استغناء الحوادث عن مُحدِثها جل وعز، ومع ذلك فلم يَعُدَّهُما أحد من المعتزلة من الجبرية.

وأما الفرقتان الآخرتان، فإنهما لم يَنْسُبَا إلى الله تعالى التفرد بالخلق إلاَّ في إنشاء العين الثُّبوتية وإخراجها من العدم إلى الوجود، ولم ينسبوا إلى الله تعالى خلق ما ليس بشيء حقيقي من الإضافات والوجوه والأحوال والاعتبارات التي


(١) في (ش): و.
(٢) في (ش): اختلفوا. وقد تقدم حكاية قول الجاحظ وثمامة عند المؤلف ص ٦١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>