للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦]، وقوله: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: ٣٥].

قال الشيخ (١): واليد المتآكلة قطعها شرٌّ في الظاهر، وفي ضمنها الخيرُ الجزيل، وهو سلامة البَدَنِ، ولو تُرِكَ قطعها لحصل هلاك البدن، ولكن قطعها لسلامة البَدَن شرٌّ، وفي ضمنه خيرٌ، لكن المراد الأول السابق إلى نظر القاطع هو السلامة التي هي خيرٌ محضٌ، وهي مطلوبةٌ لذاتها ابتداءٌ، والقطع مطلوبٌ لغيره ثانياً لا لذاته، فهما داخلان تحت الإرادة، لكن أحدهما مُرادٌ لذاته والآخر لغيره، والمراد لذاته قبل المراد لغيره، ولأجل ذلك قال الله تعالى: " سبقت رحمتي غضبي " (٢) فغضبه إرادته الشر، والشر بإرادته، ورحمته إرادته الخير، والخير بإرادته، ولكن إرادة الخير للخير نفسه، وإرادة (٣) الشر لذاته، يعني لكونه شراً، بل لما في ضمنه من الخير، فالخير مقتضى بالذات، والشر مقتضى بالعرض (٤) وكلٌّ بقدرٍ، وليس ذلك مما يُنافي الرحمة أصلاً.

والآن إن خَطَر لك نوعٌ من الشر لا ترى فيه خيراً، أو خطر لك أنه كان يمكن حصول (٥) ذلك الخير لا في ضمن الشر، فاتهم عقلك القاصر في أحد الطرفين (٦):

إما في قولك: إن بعض (٧) الشر لا خير تحته، فإن هذا مما تقصُرُ العقول عن معرفته، مثل أمِّ الصبي التي ترى الحِجامة شراً مَحْضاً، ومثل الغبيِّ الذي يرى القتل قِصاصاً شراً محضاً، لأنه ينظر إلى خصوص شخص المقتول، وأنه في حقه شر محضٌ، وذَهَلَ عن الخير العامِّ الحاصل للناس كافةً، ولا يدري


(١) أي الغزالي، وهو في " المقصد الأسنى " ص ٦٢ - ٦٣.
(٢) تقدم تخريجه في الجزء الخامس ص ٢٧٥.
(٣) في " المقصد " في الموضعين: أراد.
(٤) في " المقصد ": لغيره.
(٥) في " المقصد ": تحصيل.
(٦) في " المقصد ": الخاطرين.
(٧) في " المقصد ": هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>