للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحِكَم والغايات (١) الحميدة، وهذا هو مذهب أهل السنة.

وكذلك ذكر الذهبي أنهم بَدَّعوا أبا طالبٍ المكيَّ حيثُ قال في وعظه: إنه ليس شيءٌ أضَرَّ على المخلوقين من الخالق. ولو مشينا على ظاهر تفسير الغزالي اسم الضار، ولم يُضَمَّ إليه تأويله المذكور في شرح الرحمن الرحيم، لكان (٢) كلام الغزالي في شرح الضار مثل هذا الكلام المنكر أو أقبح. ذكر ذلك في ترجمته من " الميزان " (٣) واسمه محمد بن علي بن عطية.

فإن قلت: هل ورد في القرآن اسمٌ لله عزَّ وجلَّ يناسب ما وقع من المصائب والبَلاوِي؟

قلت: نعم، وهو المُبْتَلِي، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} [المؤمنون: ٣٠]، وقال: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ} [الفجر: ١٥]، وقال: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢] وهو من أسمائه الحسنى، لأن الابتلاء من فعل الحكيم، لِيَمِيزَ الخبيث من الطيب، فالحكمة فيه ظهور طيب الطيب، وإبانته ورَفْعُ منزلته، لا ظهورُ خبث الخبيث، ولكن المحاسن لا تُعرَفُ إلاَّ بأضدادها.

والحجة الواضحة على أن ذلك المراد لا عَكسُه قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢] وقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: ٣١] ولم يقل: أيُّكم أقبح عملاً، ولذلك قال العارفون: إن الخلق كلهم مثل شجرةٍ، ثمرتها المقصود بها أهل الخير منهم.

وفي الحديث: " لما دعا الخليلُ على من رآه يعصي، قال الله له: إنَّ قَصْرَ عبدي مني إحدى ثلاثٍ: إما أن يتوب فأتوب عليه، أو يستغفرني، فأغفر له،


(١) في (أ): والعنايات، وكتب فوقها " والغايات "، وهي كذلك في (ش): والغايات.
(٢) في (أ): لكن، وهو خطأ.
(٣) ٣/ ٦٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>