للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك المميت لقوله تعالى: {يُحْيِي ويُمِيتُ} [البقرة: ٢٥٨]، وقول الخليل: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء: ٨١]، ولأنه في معنى القهار، وذلك لأن الموت لقاءٌ، وقد ثبت في " الصحيح " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومن كَرِهَ لِقَاء الله كره الله لِقاءه " فقالوا: كلُّنا يَكرَهُ الموت. قال: " إنَّ المؤمن لا يَمُوتُ حتى يُبَشَّرَ، فيُحب الموت " (١).

ورُوي أن الخليل عليه السلام قال: يا ربّ، أيُحِبُّ الخليلُ موت خليله؟ فقال الله تعالى: " هل يكره الخليلُ لقاء خليله؟! " قال: لا يا ربّ (٢).

وبالجملة: فقد ورد القرآن بالتمدُّح بفعل الخير، والقدرة على كل شيء من خيرٍ وشر، ومثوبةٍ وعقوبةٍ، وذلك بَيِّنٌ في قوله: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: ٢٦]، وقوله: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: ٤٠]، وفي آية: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢١٨]، وفي آية: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: ١٢٠].

وذلك لأن مُوجِبَ كماله وملكه الحق يقتضي أن يكون ملكاً عزيزاً مَخُوفاً مهيباً، يُخافُ ويُهابُ ويُخشى ويُتَّقى مثل ما يُستَرحَمُ ويُستَعطَفُ ويُسألُ ويُرتَجى، فيكشف السوء كما يُعطِي السُّؤل، ويمنع المخوف، كما يُبَلِّغُ المأمول.

وفي هذه الآيات الثلاث إشارةٌ إلى ما قدَّمْتُه من أنه سبحانه يسمى بالنظر إلى فضله بالغفور الرحيم ونحو ذلك، ويُسَمَّى بالنظر إلى عدله في عقوباته بالقدير والمقتدر، والعزيز والقهَّار والمتكبِّر والجبار، ونحو ذلك مما ورد به السمع المعلوم الصحيح، والمدح المعقول الصريح.

وكذلك يجوز أن يُنسَبَ الخير والشر معاً إلى قدرته وملكه وخزائنه، ولا يُفرد


(١) تقدم تخريجه في الجزء الخامس ص ١٢٧.
(٢) أورة الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ١١/ ٣٦١ ولم يعزه إلى أحد، لكن قال: وقد ذكر بعض الشراح أن إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت لما أتاه لِيقبض روحه: هل رأيت خليلاً يميت خليله؟ فذكر نحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>