للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان لهذا الحديث علَّةٌ، لم يحتج إلى جوابٍ آخر، وقد قيل: لعله - صلى الله عليه وسلم - اطلع على أن سِنَّ تلك الموؤودة بلغت التكليف، ولم يلتفت إلى قول السائل: لم تبلُغِ الحنثَ، لجهله بوقت البلوغ الشرعي، أو يكون التكليف في ذلك الوقت منوطاً بالتمييز، والسائل يجهله، وليس كون التكليف في ذلك الوقت منوطاً بالتمييز في ذلك الوقت من الأمور المحتاج إلى معرفتها حتَّى يبيِّنَه للسائل.

وهذا الجواب مثل جواب المعتزلة في تأويلهم الأطفال بمن قد بلغ، لكنه أقوى، لاختصاصه بشخصٍ معيَّنٍ، وقد بالغت بالبحث عن صحة هذا الحديث حتى وجدت ما يمنع القطع بصحته، فسقط الاحتجاج به ولله الحمد.

وذلك ما ذكره ابن الجوزي في مسند سلمة بن يزيد من " جامع المسانيد "، فإنه قال بعد رواية الحديث هذا: إن محمد بن سعد ذكر في " الطبقات " (١) أنَّ سلمة بن يزيد هذا الرَّاوي ارتدَّ عن إسلامه هو وأخوه لأُمِّه قيس بن سلمة بن شراحيل، وهما ابنا مُليكَةَ بنت الحلوى، قال ابن الجوزي: فظاهرُ هذا كفرهما، ثم قال: وظاهر ما روينا أنهما عادا إلى الدين، ورويا الحديث.

قلت: الحديث ما رواه إلاَّ سلمة، وما علمت لأخيه روايةً أصلاً، وقوله: إنَّ الطاهر رجوعهما عن الرِّدَّة، واستدلاله على ذلك بمجرد رواية الحديث عن سلمة من غير نقلٍ صحيحٍ، بل ولا ضعيفٍ، لا يفيد شيئاً، ومثل هذا لا يثبت معه حديثٌ، مع أن في إسناده داود بن أبي هندٍ، وقد تجنَّب البخاري إخراج حديثه في " الصحيح " قال الذهبي (٢): داود حجة، ما أدري لِمَ لم يخرج له البخاري!


(١) ١/ ٣٢٤ عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه وأبي بكر بن قيس الجعفي ... وهذا خبر شبه موضوع، هشام بن محمد بن السائب قال الدارقطني وغيره متروك، وقال يحيى بن معين: غير ثقة، وليس عن مثله يروى الحديث، وأبوه محمد بن السائب متهم بالكذب كما في " التقريب ".
(٢) في " ميزان الاعتدال " ٢/ ١١. قلت: داود بن أبي هند وثقه سفيان الثوري وأحمد =

<<  <  ج: ص:  >  >>