للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلق خلقه في ظُلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور، اهتدى، ومن أخطأه، ضل ". رواه البيهقي في " الأسماء والصفات "، وأحمد في " المسند وقال الهيثمي: رجاله ثقات.

فهذه الآثار وأمثالها تقوِّي القول بإخراج ذرية آدم من صلبه مرة أولة. ويدل عليه أيضاً ما ذكره ابن عبد البر وغيره في تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: ٨٣] فإنهم فسروا إسلام الخلق كلهم بذلك، وقالوا: إن الله تعالى لما قال لهم: {ألست بربكم}؟ قالوا: كلهم: {بلى}، فأمَّا أهل السعادة، فقالوا عن معرفة له طوعاً، وأما أهل الشقاوة، فقالوه كرهاً.

ومما يدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم} [آل عمران: ١٠٦] ففيه أن كل كافر قد كفر بعد إيمانه، وهذا لا يصح ظاهره في هذا التكليف المعلوم لنا، وكذلك ظاهر قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [الأعراف: ١١]، فظاهرها خلق جميع المخاطبين قبل الأمر بالسجود لآدم في عالم الذر، وهو قول مجاهدٍ، وقتادة، والربيع، والضحاك، ومجاهد من أصح المفسرين تفسيراً وقتادة -على حفظه- من قدماء المعتزلة في مسألة الأفعال.

فأما قول ابن عباس: " خُلِقُوا في أصلاب الرجال، وصُوِّروا في أرحام النساء "، فلا يناقض هذا، وإن كان الحاكم صححه على شرط الشيخين (١)، فإن الجميع من الخلق والتصوير ممكن أنه كان في ذلك الخلق الأول، وذلك داخل، وهو ظاهر الترتيب في قوله: {ثم قلنا للملائكة} [الأعراف: ١١].

ويترجح بما تقدم والله سبحانه أعلم على أنه موقوفٌ، لا يجب أو لا يجوز ترك الظاهر له، خصوصاً مع عدم شذوذ القائل به وكثرة شواهده.


(١) " المستدرك " ٢/ ٣١٩، ووافقه الذهبي على تصحيحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>