للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: " هم مع آبائهم، أو من آبائهم " فقيل له: بعملٍ أو بغير عملٍ؟ فقال: " الله أعلم بما كانوا عاملين " (١). وأيضاً فالأحاديثُ التي لم تصح في الباب إنما لم تصح (٢) على قواعد المحدثين، وأما على قواعد غيرهم، فإنها تصح على كلامهم مثل حديث خديجة، فإن المحدثين قدحوا فيه بالإرسال، فمن يقبلُ المرسل يقول بصحته، وكذلك من لا يرُدُّ الراوي بالضعف اليسير يقبل كثيراً من رواتها، وهو مذهب الأصوليين، وكذلك من لا يقدح بالعلل، وأمثال ذلك.

وعلى الجملة، فلولا شهرة الآثار الواردة في هذا الباب، ما اختلف عاقلان أبداً، فإن العقول تقتضي أن الله تعالى لا يعذب العصاة على معاصيهم، لسعة رحمته وكرمه، وغناه التام عن تعذيبهم، وعدم تضرره بذنوبهم، ولولا ورود السمع بعذاب المذنبين ما قال به قائل.

ولكن الشريعة المطهرة وردت بالابتلاء الشديد في الأعمال بالميثاق، والعقائد بالمتشابه، وأحسن المؤمنين إيماناً أثبتهم إيماناً بما يخالف عقله بشهادة قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْه} [البقرة: ١٤٣]، وقوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب} [آل عمران: ١٧٩]، وقد تقدم هذا المعنى عند ذكر الحكم في تقدير الشرور وإنزال المتشابه في مسألة الأقدار، فليراجع في موضعه، فإنه نافع إن شاء الله.

والقصد ببسط الكلام في هذه المسألة وما تقدمها من المشكلات:

المبالغة في حمل المسلمين على السلامة، لما ورد في الأخبار المتواترة من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلم أن يحب للمسلمين ما يحب لنفسه (٣)، ومن ورود الثناء في


(١) حديث صحيح. رواه أحمد ٦/ ٨٤، وأبو داود (٤٧١٢) من حديث عائشة.
(٢) قوله: " في الباب إنما لم تصح " سقط من (ش).
(٣) روى أحمد ٣/ ١٧٦ و٢٥١ و٢٧٢ و٢٨٩، والبخاري (١٣)، ومسلم (٤٥) من حديث أنس مرفوعاً: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وصححه ابن حبان (٢٣٤) و (٢٣٥)، وانظر تمام تخريجه فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>