للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان لا بد من محارةٍ لا تهتدي العقول إلى طريقها، ولا تحظى بطائل في تحقيقها، فالتسليم لمن تميَّز بجنس المعجزات الباهرة والآيات الظاهرة، مع ما اشتملت عليه أحوال الأنبياء عليهم السلام من الصفات الحميدة، والقرائن الكثيرة المفيدة، مع تأملها للعلم الضروري، أنهم المخصوصون بالعصمة من الخطإِ والزلل في العلم والعمل، وأنهم منزهون من تخبُّط النُّظَّار ورجمهم بالظنون، وتخيلهم للأقيسة، ووقوعهم في هذا التعارض الشديد.

ومن شكَّ ذلك ولم يصدق فليجرب، ومن جرب القليل، فلم يجد ما ذكرتُ، فليوغل حتى يحقق، ومن لم يعرف إلاَّ كلام طائفةٍ، ولم يدر بكلام سائر الفرق والفلاسفة، فهو يُعَدُّ من العوام، وما عنده علم ما الكلام.

فإن قلت: فما حمل الأشعرية على هذا القول؟

قلت: قصدوا إفحام الفلاسفة في اعتراضهم الشرائع، وحسم المادة في توجيه الاعتراض على الصانع، ولكنهم في ذلك كمن يداوي من المرض بالموت، فإن الفلاسفة لم تكن تطمع في تسليم المسلمين لنفي حكمة ربهم عز وجل، وإنما قصدوا بكلامهم في الاعتراض على الشرائع التشكيك في حكمة الله التي اتفقت عليها الشرائع وأهلها، وكانوا قانعين بمجرد التشكيك، فأما القطع بنفي الحكمة والتصنيف في ذلك والدعاء إليه، والرد على من اعتقد غيره، ونسبته إلى الجهل بصفات الله تعالى، فأمرٌ لم يكن يطمع فيه المُلحدون، فيا عجباً (١) كيف أصبح يدعو إليه الموحِّدُون.

ولهم بعد ذلك شُبَهٌ أربع:

الأولى: ذكرها الرازي في " نهايته " قال: لو كان لله تعالى غرضٌ، لكان قديماً، ويلزم من ذلك أن يكون العالم قديماً.

والجواب: أن تسمية الحكمة غرضاً عبارةٌ مُوهِمَةٌ، وكثيرٌ من مُتكلِّمي


(١) في (ش): " فيا عجباه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>