للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوقَّف السَّيِّدُ أبو طالب في قبوله في كتاب " المُجزي " ولم يقطع بردِّة، وقال: المسألة محتمِلة للنظر، ورجح السيد أبو طالب قبولَهُ في " جوامع الأدلة ". وأشار قاضي القضاة (١) في " العهد " إلى قبولِه. فالذاهبُ إلى ما قَالَهُ ابنُ عبد البَرِّ، لم يأت ببديعٍ، بل قولُهُ أقوى مِنْ قولِ من يقبل المجاهيلَ على الإطلاق.

واعْلَمْ أني مكمِّل للكلام في هذه المسألة بذكرِ سؤالٍ وجواب:


= المستور في الاصطلاح غير مقبول عند الجمهور، وروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه في غير رواية الظاهر قبوله، واختاره ابن حبان نقله عنه في الحاشية. قال ابن الصلاح: يشبه أن يكون العمل في كثير من كتب الحديث المشهورة بهذا الرأي، والأصل أن الفسق مانع من القبول بالاتفاق كالكفر، فلا بد من ظن عدمه، فإن اليقين متعسر، لكن اختلف في أن الأصل العدالة، فتظن ما لم يطرأ ضدها، أو الأصل الفسق فلا تظن العدالة، ولك أن تقول: العدالة شرط اتفاقاً، لكن اختلف في أن أيهما أصل، ثم إن المعتبر في حجية الخبر ظن قوي، فلا يكتفي بالظن الضعيف، فإنه لا يغني عن الحق شيئاً ألا ترى أنه قد يحصل الظن بخبر الفاسق إذا جرب مراراً عدم الكذب منه، لكن لا يقبل قوله شهادة ورواية، فكذا ظن العدالة من الأصالة لا يكفي ها هنا، كيف وقبول الخير من الدين ولا بد فيه من الاحتياط، فمبنى ظاهر الرواية هو هذا لا ما ذكروه، وإلى ما ذكرنا أشار الإمام فخر الإسلام بقوله: وهي نوعان: قاصر وكامل، أما القاصر، فما ثبت بظاهر الإسلام واعتدال العقل، لأن أصل حاله الاستقامة، لكن الأصل لا يفارقه هوى يضله ويصده عن الاستقامة، ثم قال بعد هذا: والمطلق ينصرف إلى كمال الوجهين، ولهذا لم يجعل خبر الفاسق والمستور حجة. انتهي. وبهذا تعلم أن ظاهر مذهب الحنفية عدم قبول رواية المستور كغيرهم، وأن ما جعله بعضهم قول أبي حنيفة إنما هو رواية عنه على خلاف ظاهر المذهب.
(١) هو عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني الأسدأباذي كان شيخ المعتزلة في عصره وهم يلقبونه قاضي القضاة، ولا يطلقون هذا اللقب على غيره توفي سنة ٤١٥ هـ. وكتابه العهد هو من أهم الكتب التي ألفت في أصول الفقه، وقد شرحه أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المتكلم على مذهب المعتزلة المتوفى سنة ٤٣٦ بشرح كبير سماه " العمدة " ثم اختصر هذا الشرح وسماه المعتمد وهو مطبوع، وكتاب المحصول للفخر الرازي مستمد من كتابين لا يكاد يخرج عنهما غالباً، أحدهما هذا، والثاني المستصفي للغزالي فيما قاله الإسنوي في " نهاية السول " ١/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>