للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان في كلام العرب قد يجوز أن يُسمى مؤمناً بالتصديق، فغير مستحق لذلك (١) في حكم الله تعالى، لقوله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٢ - ٤]. أخبر الله تعالى أن المؤمنين على الحقيقة من كانت هذه صفته دون من قال، ولم يعمل، وضيَّع ما أُمِرَ به وفرّط. انتهى.

وفيه دلالة على ما ذكرته من أن أهل الكبائر لا يُسَمَّوْنَ عند أهل السنة مسلمين ومؤمنين علي الإطلاق، وإنما يقال: إنهم مسلمون أقل الإسلام، ومسلمون عصاةٌ فساقٌ ظلمةٌ، بل قد أطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كثيرٍ منهم الكفر والمروق من الإسلام، كما جاء في حديث: " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " (٢) وحديث: " سِبابُ المسلم فُسوقٌ، وقتاله كفرٌ " (٣) وأحاديث مروق الخوارج من الإسلام، وكلها في الصحيح (٤)، وهذه ألفاظٌ قد (٥) أطلقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فينبغي أن نطلقها كما أطلقها، ونريد ما أراد على الإجمال من كفرٍ مخصوصٍ، أو مطلقٍ أو مجازٍ أو حقيقةٍ شرعيةٍ أو لغويةٍ، لأنه عليه الصلاة والسلام إنما قصد بإطلاقها زجر أهل هذه المعاصي بإطلاق أقبح الصفات المذمومة عليهم، والحكمة في ذلك باقيةٌ، فكيف نخالف الحكمة (٦) النبوية في زجر الناس عن المعاصي بإطلاق الأسماء المذمومة عليهم، ونصف أفجرهم -وهو يزيد الذي تأوَّه منه رسول الله


(١) في (د) و (ف): " ذلك ".
(٢) أخرجه من حديث ابن عمر أحمد ٢/ ٨٥ و٨٧ و١٠٤، والبخاري (٤٤٠٣)، و (٦١٦٦) و (٦٧٨٥) و (٦٨٦٨) و (٧٠٧٧)، ومسلم (٦٦)، وأبو داود (٤٦٨٦)، والنسائي ٧/ ١٢٦، وابن ماجه (٣٩٤٣). وانظر ابن حبان (١٨٧).
(٣) تقدم مراراً.
(٤) انظر ١/ ٢٣٢ ت (٢).
(٥) " قد " ساقطة من (ش).
(٦) في (ش): " تخالف النصوص ".

<<  <  ج: ص:  >  >>