للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم بأنها لا ترجِعُ إلى قائلها حتى يكون الملعون بها غير أهلٍ لها (١)، وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد لعن الواشمة والنامصة، ومن أمَّ قوماً وهم له كارهون، ونحوهم من هذه المعاصي المستصغرة بالنظر إلى ما قدمنا ذكر طرق منه من أفعال يزيد، فكيف يقطع أنه (٢) لا يستحق اللعنة؟

فإن قيل: إنما أراد صاحب الكلام أنه لا يجوز لعن أحدٍ بعينه من العصاة، وإن جاز لعنه على الإطلاق من غير تعيين.

قلت: هذا لا يصح لوجوهٍ:

الوجه الأول: إن المسألة ظنية خلافية، لا يستحق المخالف فيها (٣) التأثيم ولا الإنكار، فضلاً عن التفسيق واللعن، وقد ذكر الإمام النووي في " الأذكار " (٤) أن الظاهر جواز ذلك، وقد صدر ذلك عن غير واحدٍ من السلف الصالح، ولو لم يصح فيه إلاَّ ما خرجه البخاري ومسلم (٥) عن ابن عمر أنه مرَّ بفتيان مِنْ قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، فقال: لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً، فهذا الصاحب الجليل لعن جماعةًَ معيَّنين من فتيان قريشٍ، أيكون عبد الله بن عمر ملعوناً؟! حاشاه - رضي الله عنه - من ذلك.

ومن ذلك ما رواه البيهقي في " سننه الكبرى " في جماع أبواب الكلام في الصلاة في أول بابٍ منه، من حديث عبد الرحمن بن معقل أنه قال:


= ١٠/ ٤٦٧.
وعن ابن عباس عند أبي داود (٤٩٠٨)، والترمذي (١٩٧٨)، والطبراني في " الكبير " (١٢٧٥٧)، وصححه ابن حبان (٥٧٤٥).
(١) " لها " ساقطة من (ش).
(٢) في (د): بأنه.
(٣) " فيها " ساقطة من (ش).
(٤) ص ٥٠٠.
(٥) البخاري (٥٥١٥)، ومسلم (١٩٥٨). وأخرجه أيضاً أحمد ١/ ٣٣٨ و٢/ ٤٣، والنسائي ٧/ ٢٣٨، والحاكم ٤/ ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>