للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجُنده فعلوا ما لم يرضَهُ، وسكت، وما نُقِلَ أنه باشره من ذلك، وأمر به لم يبلغ مبلغ التَّواتُر.

وأمَّا إن أقرَّ إنَّ ظاهر أحوال الأمراء أنهم لا يفعلون (١) في المُهمَّاتِ إلاَّ ما أمرهم به الملوك، فقتلُ أمراءِ يزيد للحسين عليه السلام من ذلك، فإنَّ الطاهر من أمراء يزيد وغير يزيد أنَّهم لا يقدمُون على الأمور العظيمة إلا من (٢) جهة الطَّاعة لمن فوقهم، والتَّقرُّب إليه، ولم يكن بين جندِ يزيد وبين الحُسين عداوةٌ تُوجب السَّب، كيف (٣) القتل؟ وإنَّما قتلوه طاعةً ليزيد وتقرُّباً إليه.

ولهذا روى أبو عبد الله الذهبي في كتاب " الميزان " (٤) عن أبي إسحاق أنه قال: كان شمرٌ يصلِّي معنا ويستغفر، فقلت له: كيف يغفرُ الله لك وقد أعنت على قتل ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! قال: ويحكَ، كيف نصنع؟! إنَّ أمراءَنا أمرونا، ولو خالفناهم كنَّا شرّاً من الحمير السُّقاة.

قال الذهبي: إنَّ هذا العذر قبيحٌ، فإنما الطَّاعة في المعروف.

قلت: وإنَّما قال أبو إسحاق لشمرٍ: كيف يغفرُ الله لك، لأنَّه فهم من حاله أنَّه لم يتب من قتل الحسين، ويفعل ما يجب من تسليم نفسه قَوداً إلى أولياء الحسين عليه السلام، وإنما قال ذلك على عادةِ المستغفرين مِنَ المصرِّين، مع تهاوُنه بعظيم ذنبه.

وجه آخر: وهو قول الله تعالى لمن عاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليهود: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة: ٩١ - ٩٢] فنسب (٥) فعل


(١) في الأصول: " يفعلوا "، والصحيح ما أثبت.
(٢) في (د): " على ".
(٣) في (ش): " فكيف ".
(٤) ٢/ ٢٨٠، وقد تقدم ص ١٧.
(٥) في (د) و (ش): "ونسب".

<<  <  ج: ص:  >  >>