وثانيهما: دون هذه المرتبة، وهو أن يُسلِّمَ أن ذلك حرامٌ إذا كان يعينهم، ولكن يغلب على ظنه أنه لا يزيدهم، ولا يظهر له أثرٌ في إعانتهم، وأن البيع منهم والامتناع على سواءٍ، ومثل من يبيع العنب ممن لا يظن أنه لا يتَّخذه خمراً، مع اعتقاده أن بيعه ممن يتخذه خمراً حرامٌ، فإذا اختلفت الظنون في مثل هذه الأمور، كان كلٌّ مكلَّفاً بظنِّه.
ثم الإعانة القطعية المجمع على تحريمها تنقسم إلى قسمين: منها ما يكون جرحاً في الرواية، وهو ما صدر من فاعله مع اعتقاده لتحريمه، ومنها ما يكون جرحاً في الديانة دون الرواية، وهو ما فعله صاحبه مع اعتقاده لجوازه.
وأما القسم الظني، فلا يجرح من استحله، لا في الديانة ولا في الرواية.
وقد تختلف فيه الظنون، فقد يغلِبُ ظنُّ العالم أو غيره أنه لا يعين الظالم بمخالطته، بل قد يظن أن في مخالطته مصلحةً دينيةً، وإن كان غيره يظن أنه يعين الظالم، وأن في مخالطته مفسدة، فليس يجب عليه ترك ظنه والرجوع إلى ظنِّ غيره بالإجماع.
وكذلك الإقامة في مدائنهم: قد يصح فيها قريبٌ مما يصح في المخالطة من أنها إعانةٌ لهم، وأن الناس لو تركوا بلادهم، فلم يجدوا فيها من يُصلِّي بالجماعة، ولا من يفتي العامة، ولا من يفصل بين الخصوم ويقضي بينهم، لكان ذلك مُوحشاً لهم، منفِّراً لكثير من الإقامة في أوطانهم، وفي ذلك تقليل عددهم، وإظهار فسقهم، بل لو هاجر الجميع من المكلَّفين من بلادهم، ما استقروا فيها، ولتعطَّلت مصالحهم من الخراج والجبايات، ففي إقامة المسلمين في بلادهم إعانةٌ وإيناسٌ، ولهذا أوجب الهادي والقاسم عليهما السلام المهاجرة من دار الفسق، لكن هذا لا يجب على القطع، ولهذا خالف المؤيد بالله وغيره من أهل البيت عليهم السلام وسائر الفقهاء، وقالوا: إن ذلك لا يجب، ولم يجرح أحدٌ ممن لم يهاجر من بلادهم، لا في دينه ولا في روايته، فإن الجِلَّة من الصحابة والتابعين ما هاجروا من بلاد الفسقة، كالحسنين عليهما