للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفائدة الخامسة: أن أهل الزهد والدرجة العالية من الفُضَلاء يَعِظُون من كان دونهم في مرتبة الفضل والصلاح، ومن فعل ما لا يليق به من المباحات والمكروهات، ويوردون في وعظه من قوارع البلاغة ومجاز الكلام ما لو خرج مخرج الحقيقة، لدلَّ على إثم الموعوظ ومعصيته، مع (١) أنه لا يُستدلُّ بذلك على تأثيم الموعوظ لما خرج مخرج التذكير والإيقاظ والتقريع والتأنيب.

وقد قدَّمت من هذا إشارةً يسيرةً في خطبة هذا الكتاب (٢)، مثل قوله عليه السلام لأبي ذر: " إنك امرؤٌ فيك جاهلية " (٣).

وأنا أذكر ها هنا ما لم أذكره من هذا، فمن ذلك: قوله تعالى في خطاب أفضل البشر وسيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم -: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس: ١ - ١٠]. ومنه قوله تعالى: في حقه عليه السلام: {وَتَخْشَى الناسَ والله أحقُّ أن تَخْشَاهُ} [الأحزاب: ٣٧]، ومن ذلك قوله تعالى في جماعة من ثقات (٤) الصحابة المجمع على فضلهم: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: ١٥٢]، ومنه قوله تعالى في جِلَّة المهاجرين والأنصار: {َوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيم} [الأنفال: ٦٨].

ومنه قول علي عليه السلام لأصحابه: أُفٍّ لكم، لقد سئمت عتابكم، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضاً ... إلى آخره. وقوله عليه السلام لهم: بُليت بمن لا يطيع إذا أمرتُ، ولا يجيبُ إذا دعوتُ، لا أبا لكم، ما تنتظرون بنصركم ربكم؟! أما دينٌ يجمعكم؟! أقوم فيكم مستصرخاً أناديكم متغوثاً، فلا تسمعون لي قولاً، ولا تطيعون لي أمراً!. ومنه قوله عليه السلام في كلام له: وددتُ أني صارختُ معاوية صَرْفَ الدينار بالدرهم، أو كما قال عليه السلام،


(١) في (ف): " على ".
(٢) انظر ١/ ٢٢٩ - ٢٣٣.
(٣) تقدم تخريجه ١/ ٢٢٩ - ٣٣٠.
(٤) " ثقات " ساقطة من (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>