قلتُ: صدق النَّواوي، فإن الظَّنَّ يحصلُ بالمقابلة على أصلٍ صحيح، وإن كان واحداً.
قال ابنُ الصلاح: فإذا لم يُوجَدْ ذلك ولا نَحْوُه، فليَقُلْ: بلغني عن فلان، أو وجدتُ في نسخة من الكتاب الفلاني، وما أشبه هذا من العبارات. وقد تسامَحَ أكثرُ النَّاس في هذه الأزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحدٍّ وتثبتٍ، فيطالع أحدهم كتاباً منسوباً إلى مصنف معيَّن، وينقل منه عنه مِن غير أن يَثِقَ بصحة النسخة قائلاً: قال فلان كذا وكذا، أو ذكر فلانٌ كذا وكذا. والصواب ما قدَّمناه، فإن كان المطالعُ عالماً فَطِناً بحيث لا يخفي عليه في الغالب مواضِعُ الإسقاط، وما اختلَّ عن جهته رجونا أن يجوزَ له إطلاقُ اللفظ الجازم فيما يحكيه مِن ذلك.
وإلى هذا فيما أحْسِبُ استروح كثيرٌ من المصنفين فيما نقلوه من كُتُبِ الناس، والعِلْمُ عندَ اللهِ تعالى. هذا كُلُّه كلامٌ في كيفية النقل بطريق الوِجادة.
وأما جوازُ العمل اعتماداً على ما يُوثَقُ به منها، فقد روينا عن بعض المالكيَّة: أن مُعظم المحدِّثين والفقهاء من المالكيِّين وغيرهم لا يَرَوْن العَمل بذلك. وحُكيَ عن الشَّافعي وطائِفةٍ من نُظَّارِ أصحابه [جواز العملِ به، قلت: قَطع بعضُ المحققين من أصحابه](١) في أصول الفقه بوجوبِ العملِ به عند حصولِ الثِّقة به. وقال: لو عرض ما ذكرناه على جملة
(١) ما بين حاصرتين سقط من الأصول كلها، واستدرك من المقدمة، ونص المؤلف في " تنقيح الأنظار " ٢/ ٣٤٨: وحكي عن الشافعي جواز العمل به، وقالت به طائفة من نظار أصحابه، وهو الذي نصره الجويني، واختاره غيره من أرباب التحقيق، قال ابن الصلاح: قطع بعض المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة.