للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علِقَتِ العدالة بهم منه، ولولا معرفة المحدثين بكثرة الخَبَثِ، ما اشتغلوا بتمييز الخبيث من الطَّيِّب، ولا اقتصر البخاري على قدر أربعة آلاف حديثٍ من ستَ مئة ألف حديث، كما ثبت ذلك عنه، وقد روي: " الناس كإبل مئة - لا تجد فيها راحلةً " (١).

وعلمت النصوص في ذم الكثرة ومدح القلة، فلم يلزم من فساد الأكثرين فساد الأقلِّين من الصِّالحين، والمعترض ظن أنه اقتدى بالإمام المنصور في إيراد هذه الحكاية، وليس كذلك، فإنه قد صرَّح بصحة كتب الحديث المشهورة (٢)، وصرَّح بقبول المتأولين من الصدر الأول من الصحابة ومن بعدهم، فنقل وعقلٌ، أمَّا النقل، فعن جماعةٍ مجهولين أنهم شهدوا زوراً في واقعةٍ معينةٍ، وأما العقل، فلم يُسَوِّ بسبب ذلك بين الخالص والزَّيف، ويخلط الخبيث بالطيب.

الوجه الثالث: أن المعترض (٣) إما أن يشترط في عدالة رواة الحديث أن لا يكون في أهل مذهبهم وسكان بلادهم (٤) من يشهد الزور أو لا. إن اشترط ذلك خالف ضرورة العقل وضروري الإجماع من النقل، وإن لم يشترطه (٥)، فما هذا الترجيف بذكر شهود الزور إيهاماً أنهم رواة الحديث المأثور.

ولو أن المعترض أورد قصة القاضي أبي يوسف أو محمد بن الحسن حين أراد منه (٦) هارون الرشيد أن يُفتيه بانتقاضِ أمان يحيى بن عبد الله عليه السلام فامتنع، وقال: هذا أمانٌ مؤكَّدٌ، فشجَّه هارون بالدواة، وقيل: إنه مات مِنْ تلك الشَّجَّة، لكان هذا ألْيَقَ بمقتضى الحال، لأن القاضي أبا يوسف ومحمد بن الحسن أحد أئمة الحديث ورجال القوم، لكن هذا مما يدلُّ على أمانة علماء


(١) حديث صحيح، قد تقدم تخريجه ١/ ٢٤٥.
(٢) في (د) و (ف): " هذه المشهورة ".
(٣) " أن المعترض " ساقطة من (ف).
(٤) " وسكان بلادهم " ساقطة من (ف).
(٥) في (ف): " يشترط ".
(٦) " منه " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>