للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا عرفتَ هذا، فاعلم أن المتكلمين والمحدثين إنَّما يختلفون هُنا، لاختلافهم في أن القرينة العقليَّة، هل تدلُّ هنا على التَّجوُّز أم لا؟ والأمر في هذا قريبٌ، والذي قالوه في هذا ممكنٌ عند المتكلِّمين عقلاً.

ويتفرع على هذا تنبيهٌ مفيدٌ، وذلك أن كثيراً من المحدِّثين -لعدم ارتياضهم في العلوم العقلية- يتوقفون في إحالة أشياء عقليةٍ، وإحالتها في العقل ظاهرةٌ جليةٌ مثل حديث (١) أنه " يؤتى بالموت على صُورة كبشٍ أملح " (٢) يوم القيامة، فمن لم يكُن له أُنْسٌ بعلم العقل، لم يقطع باستحالة هذا، فربما ظنه على ظاهره، وربما توقف في معناه، وذلك مما لا يصح عند أحدٍ من جمهور أهل الكلام، لأن الموت إمَّا عَرَضٌ على قولٍ، أو عدمُ عَرَضٍ على قول، وكلاهما يستحيلُ أن يصير حيواناً عند جمهورهم، على أن ابن تيمية -وكان من أئمة الكلام- خالفهم في ذلك، وقال: إنه لا يستحيل أن يُنشىء الله تعالى من الأعراض أجساماً تكون تلك الأعراض مادة لها، وإنما المحال ذبح العرض نفسه، وهو ما هو عليه، وطوَّل في الاحتجاج على ذلك، ذكره تلميذه ابن قيّم الجوزية في أواخر " حادي الأرواح " (٣).


(١) " حديث " ساقطة من (ف).
(٢) أخرجه البخاري (٤٧٣٠)، ومسلم (٢٨٤٩)، والترمذي (٣١٥٦) من حديث أبي سعيد، والحديث بتمامه: " يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادى منادٍ: يا أهل الجنة، فيشرئبُّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلُّهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلُّهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة، خلود، فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت "، ثم قرأ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَة}، وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُون}.
وأخرجه بنحوه أحمد ٢/ ٤٢٣، والدارمي ٢/ ٣٢٩، والنسائي في " الكبرى " كما في " التحفة " ٩/ ٣٤٧ من حديث أبي هريرة.
(٣) ص ٢٨٣ - ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>