للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جنس تأويل الباطنية المعلوم بطلانه من الدين ضرورة، مثل تأويل الله جل جلاله بالإمام، وقولهم: إن الله ليس بقادر، وأن معنى القادر في حقه تعالى أنه يخلُقُ من هو قادرٌ، فليس هذا بتأويل، إنما هو تكذيبٌ سمَّته الملاحدة تأويلاً، وصادموا في ذلك ضرورة الدين، وتوصَّلوا بذلك إلى إنكار الجنة والنار، وتأويل المَعَاد الأُخروي برمته، وحاولوا ما لم يتم لهم من الكفر الصريح، والتمويه على العامة بدعوى الإسلام.

وهذه مراتب التصديق بوجود ما أخبر الله تعالى به على الحقيقة، والظاهر، ثم على المجاز والتأويل المستعمل بين علماء الإسلام، ثم نذكر مرتبة الرد.

المرتبة الأولى: الوجود الذاتي، وهو الوجود الحقيقي الثابت خارج الحِسِّ والعقل، ولكن يأخد الحسُّ، والعقل عنه صورته، فيسمى ما يتعلق بالحس منه إدراكاً، ويسمى ما يتعلق بالعقل منه علماً وتصوُّراً ومعرفةً على أحد الاصطلاحين، وهذا كوجود الجنة والنار، والبعث والملائكة، وسائر الأمور، فإن وجودها ذاتي حقيقي، كوجود السماوات والأرض وما فيها من المخلوقات وهذا الوجود هو الذي ليس بمتأول، وما دونه من مراتب الوجود، فإنما يُصار إليه بالتأويل.

وأجمعت الأمة إجماعاًً قطعياً أنه لا يجوز النزول منه إلى ما دونه من مراتب التأويل إلاَّ للضرورة وتعذُّر التصديق به، ولا يُخالف أحدٌ من الظاهرية وغيرهم أن الدليل القاطع العقلي والسمعي يوجب التأويل، ولهذا قال أبو محمد بن حزمٍ، وهو من أئمة الظاهرية:

ألم تر أنِّي ظاهريٌّ وأنني ... على ما بدا حتَّى يقومَ دليلُ

وقد صرح الإمام أحمد بن حنبل بالتأويل في غير موضعٍ (١)، فهذا يدلُّ على


(١) قال ابن الجوزي في " زاد المسير " ١/ ٢٢٥: في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ}: كان جماعة من السلف يمسكون عن الكلام في مثل هذا، وقد ذكر القاضي أبو يعلى عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>