للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية: العُرفية، مثل: بني الخليفةُ المدينة أو القصر، وهزم الأميرُ الجيش، وسد الثغر، ومنه: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} [غافر: ٣٦]، وإنما لم تكن القرينة هنا عقلية، لأن الخليفة (١) ممن يجوز في العقل أن يباشر هذه الأمور بنفسه، ولكن ذلك بعيدٌ في العرف، فلهذا (٢) سُمِّيت عرفية.

الثالثة: اللفظية، وهي أن يكون في اللفظ ما يدل على التجوز، مثل: لدى أسدٍ شاكي السلاح، ومنه قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: ٣٥]، فقوله {مَثَلُ نُورِهِ} يدل على أنه لم يرد أن الله هو النور، وإنما أراد أنه منوِّرُهما، ولو كان هو نفس النور، لقال: مثله، ولم يقل: مثل نوره، ومنها قوله تعالى في هذه الآية: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} فهذه قرينةٌ لفظيةٌ تدل على أنه أراد بقوله: {مَثَلُ نُورِهِ} نور الهدى والعلم، وهذا هو النور المجازي، وأما النور الحقيقي، فقد ساوى الله فيه بين الناس، وهذه قرينةٌ لفظية، ليس معها غيرها، وأما التي قبلها، فهي مصاحبة للقرينة العقلية الدَّالَّةِ على أن الله تعالى ليس كمثله شيء.

وإذا تقرر هذا، فاعرف أمرين:

أحدهما من أنواع المجاز إسناد الفعل إلى ما يُلابس الفاعل الحقيقي أدنى ملابسةٍ على جهة التأويل في إسناد الفعل إلى غير الفاعل الحقيقي، ونعني بالتأويل أن يُقْصِدَ التجوز، ولا يقصد الإسناد الحقيقي، فإنه إذا قصده، كان الكلام حقيقةً، لا مجازاً، وكان المتكلم كاذباً، وذلك مثل قول المؤمن: أنبت الربيعُ البقل، وإذا لم يكن يتأوَّل، لم يكن مجازاً كقول الجاهل: أنبت الربيع البقل، ولهذا لم نحكم بالتجوز في قوله:

أشابَ الصغيرُ وأفنى الكبيـ ... ـر كَرُّ الغَدَاةِ ومرُّ العَشِي (٣)


(١) في (ش): " الأمير ".
(٢) في (ش): " ولهذا ".
(٣) البيت مطلع قصيدة للصّلتان العبدي واسمه: قُثَم بن حُبية شاعر أموي عاصر الفرزدق وجريراً، وله قصيدة في الحُكْمِ بينهما يقول فيها: =

<<  <  ج: ص:  >  >>