للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتخاطبين، أو عليها دليلٌ قاطع يوجب اليقين حَسُنَتِ المبالغة في التجوز، وكان تناسي التشبيه أفصح وأبلغ، فإذا وصفت زيداً بأنه أسدٌ، جاز أن تنسُبَ إليه جميع صفات الأسد، كما في قوله:

لدي أسد شاكي السلاح مُقَذِّفٍ ... له لَبِدٌ أظفازه لم تُقَلَّمِ (١)

فوصف الرجل بصفات الأسد من اللَّبِد وطُول الأظفار، وكذلك لو أنك سقت الفن (٢) صفةً من صفات الأسد إن أمكنك ذلك، فذكرت صفات الأسدِ ومحلّه وأشباله، ما ازداد المجاز إلاَّ حُسناً، ولم يكن ذلك مما صَعُبَ تأويله في لغة العرب أبداً.

قال علماء المعاني: ولأجل البناء على تناسي التشبيه صح التعجب (٣) في قوله:

قامت تُظلِّلُني مِنَ الشَّمسِ ... نَفْسٌ أعزُّ علي من نفسي

قامت تُظلِّلُني ومن عَجَبٍ ... شمسٌ تُظَلِّلُني من الشمس (٤)

فإنه إنما صح تعجُّبه تناسياً للتجوز، كأنها شمس حقيقية، فأما الشمس المجازية التي هي (٥) المرأة الحسناء، فليس بعجبٍ أن تظلِّلَ من الشمس.

قالوا: ولهذا صح النَّهْيُ عن التعجب في قوله:


(١) انظر ص ٣٠٦، التعليق رقم (٣).
(٢) الفن: الطرد، وفن الإبل يفنُّها فناً: إذا طردها. انظر اللسان " فنن ".
(٣) في (ش): " العجب ".
(٤) البيتان لابن العميد أبي الفضل محمد بن الحسين بن محمد الكاتب. قال ابن الأثير: كان من محاس الدنيا اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره من حسن التدبير، وسياسة الملك، والكتابة التي أتى فيها بكل بديع على حسن خُلُق، ولين عِشرة، وشجاعة تامة، وكانت وزارته أربعاً وعشرين سنة، وعاش نيفاً وستين، ومات بهمذان سنة (٣٦٠ هـ).
(٥) من قوله: " فإنه إنما صح " إلى هنا سقط من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>