واضحة إلا انحصارَ الطريق إلى تجهيل جميع أهل العلم في وجهين، فيجب بيانها، والدليل على أنه لا طريق للسَّيِّد إلى تجهيل جميعِ العلماء بأحوال أولئك الحفاظ المشاهير: أن معرفةَ العلماء بأحوالهم وجهلهم لها مِن مكنونات الضمائر، وخفياتِ السَّرائر، وذلك مما لا طريقَ إليه إلا بالخبر، أو القياس، ولا طريقَ سِوى هذين إلى ذلك إلا علم الغيب الذي استأثر اللهُ تعالى به، وكُلُّ واحدٍ منها لا يَصِحُّ.
أمّا القياسُ، فلا يصح هنا، لأنك إما أن تقيسَ على نفسك، أو على غيرك، وكلاهما لا يجوز، لأنَّه قياس على مجرد الوجود، وهو ممنوع.
وأما الخبر، فلا يصح، لأنَّه لم يُوجد خبرٌ صادِقٌ عن الله، ولا عَنْ رسولِ الله يقضي بجهالَةِ العلماء لأحوال الرُّواة، فضلاً عن أحوالِ معدِّليهم، وكذلكَ أهلُ العلم لم يُخبروا عن أنفسهم بالجهل بذلك، فثبت أنه لا طريق للسَّيِّد -أيَّدَه الله- إلى القطعِ على أن جميعَ العلماء لا يعرفُونَ أحوال أولئك الَّذِينَ ذكر من معدِّلي الرّواة.
وبقي القسم الثاني، وهو أن يدَّعي السَّيِّد -أيده الله- أنه يجهل أحوالَهم، فهذه دعوى صحيحة مقبولة بإجماع الأمة، لأنَّ إقرارَ المسلم على نفسه بما يدخل عليه النقضَ، ولا يكون له فيه حظ، ولا على غيره منه مضرَّةٌ إقرارٌ صحيحٌ مقبول، ولكن ليس يَحْصُلُ منه منعُ جميع طلبة العلم مِن تعرُّفِ أحوال معدِّلي الرُّواة، فربّما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، فقد قيل: من طلب شيئاً وجدَّ، وجَدَ، ومن دَق باباً وَلَجَّ، وَلَجَ.
ثم إنا لو سلمنا للسَّيِّد -أيَّدَهُ اللهُ- جهلَ جميعِ أهل العلم بأولئك الذين ذكرهم، فإن ذلك لا يَسُدُّ بابَ الرِّوايةِ، فإنَّ اللهَ لو لم يخلق أولئك