للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما القصد هنا شهرة ذكر (١) النسخ فيما يُعارِضُ في ظاهره من هذا القبيل قديماً وحديثاًً، حتى في " البخاري " و" مسلم " مع شهرتهما، واشتغال المعترض بقراءتهما، فكيف ينسُب ما فيهما مع مروره على مثل هذه إلى المعارضة المُوجِبَة للعلم بتعمُّد الرواة للكذب؟

ومن ذلك ما رواه ابن بطَّال في " شرح البخاري " عن العلامة محمد بن جرير الطبري من اختيار مثل قول ابن شهاب الزهري، لكن الذي ذكراه هو تجويزٌ عقليٌّ على جهة الزَّجر عن المعاصي، وليس فيه دِلالةٌ صحيحةٌ، فأما الزجر عن المعاصي، فيكفي فيه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُون} [المعارج: ٢٧ - ٢٨].

وما أجمع العُقلاء عليه من جهل السوابق والخواتم، وذلك الأمرُ هو الذي قطع ظهور العارفين (٢) وأسهر عيون العابدين، وقَلْقَلَ قلوب الصالحين، وأمرَّ حُلْوَ الشهوات على المتقين.

وأما الصَّدعُ بالحق في رجاء الراحمين، والطمع في رحمة خير الغافرين، فيقتضي أن المنسوخ هو الشديد والتعسير والتقنيط والتنفير، لا ما ورد الأمر به من التبشير (٣)، وما صحَّ، بل تواتر، من التبشير (٤) الذي يقتضي الجمع بين (٥) الخوف والرجاء ولا يقتضي الأمان والإرجاء.

وقد قال النووي في " شرح صحيح مسلم " (٦) في باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة. إلى أن قال (٧): وأما ما حكاه -يعني القاضي عياضاً- عن ابن المسيِّب وغيره، فضعيفٌ، بل باطلٌ، وذلك لأن راوي أحد


(١) في (ش): " ذلك ".
(٢) " العارفين " ساقطة من (ف).
(٣) في (ش): " التيسير ".
(٤) في (ف): " التيسير ".
(٥) عبارة: " الجمع بين " ساقطة من (ش).
(٦) ١/ ٢١٧.
(٧) ١/ ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>