للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه عاصم القارىء ما يقتضي جوازه كما قدَّمنا.

قال إمامُ أهلِ السنة ابن قيم الجوزية في كتابه الجليل المُسَمَّى بـ " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " (١): وقد جعل الله جزاء قتل النفس المؤمنة عمداً الخلود في النار، وغَضَبَ الجبار، ولعنتَه (٢)، وإعداد العذاب العظيم له، هذا موجب قتل المؤمن عمداً ما لم يمنَعْ منه مانعٌ، ولا خلاف أن الإسلام الواقع طوعاً بعد القتل مانعٌ من نفوذ ذلك الجزاء، وهل تَمْنَعُ توبة المسلم منه بعد وقوعه؟ فيه قولان للسلف والخلف، وهما روايتان عن أحمد، والذين قالوا: لا تمنع التوبة منه رأوا أنه حقُّ الآدمي لم يَسْتوفِه في دار الدنيا وخَرَجَ منها بظُلامته، فلا بد أن يُستوفى له في دار العدل إلى آخر كلامه في ذلك وهو كلامٌ طويلٌ مفيدٌ.

والجواب على ابن عباس رضي الله عنهما ومن قال بقوله من وجوهٍ:

الأول: أن آية الفرقان، وإن تقدمتها، فإنها أخصُّ منها، والعام لا ينسخ الخاص على الصحيح، ألا ترى أن آية القتل هذه مخصوصة عند ابن عباس وعند الجميع بما ثبت قبلها من كون الإسلام يجب ما قبله، وقد نزل في المائدة: {اليوم أُحِلَّ لكم الطيبات} إلى قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب} [المائدة: ٥] وهي بعد النساء، ولم تنسخ هذه العمومات شيئاً مما حرَّمه الله في سورة النساء من النساء المحرمات بالقرابةِ والمصاهرة، ولا من غيرهن، وإن كان العموم يقتضي ذلك، وأمثال ذلك ما لا يُحصى، وهذا مُستقصىً في أصول الفقه.

الوجه الثاني: أن التوبة قد وردت في " المائدة " وهي بعد النساء وذلك في قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا


(١) ص ١٧١.
(٢) في (ف): " ولعنه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>