وكذلك الراوي لم يُشترط فيه أكثرُ من العدالة، وليس حالُ المعدّل بأعظمَ مِن حال الشاهد والراوي، لأن عدالَة الراوي هي الأصلُ في اشتراط عدالة المُعدِّل، وعدالة المعدَّل هي فرع عليها، فكما أن العَدْل لا يجب عليه التفصيلُ فيما تحمَّله كذلك المعدِّل.
فإن قلت: فكيف التفصيلُ في الشهادة؟ قلتُ: إذا شَهِدَ بأن المال لزيدٍ، سُئِلَ عن سبب اعتقاده بكون المال لزيد، فربَّما أسند ذلك إلى ما لا يَدُلُّ على ذلك من خبر ثقةٍ، أو غير ذلك، وهذا يجوزُ على الثقة الذي ليس من أهل الثقة والمعرفة، وكذا الشهادةُ بالزوجية، وأمثال ذلك. يزيدُه وضوحاً أنَّ كُلَّ دليل دلَّ على وجوب قبول العدول بمجرد عدالتهم، فَهُوَ بعمومه يدل على قبولهم في جميع الأحوال، هل (١) أخبروا بِجرحٍ أو تعديل أو بغيرهما.
وخامِسُها -وهو الوجهُ المعتمدُ، وإنما هذه الوجوه المتقدمة شواهدُ له ومقوِّيات-: وهو أن اشتراطَ التفصيل في التعديل يؤدِّي إلى ذكر اجتناب المعدَّل لجميع المحرُّمات، وتأديته لجميع الواجبات على حسب مذهب المعدِّل في تفسير العدالة، فإن كان ممَّن يتشدَّدُ ذكر ذلك كُلَّه، وإن كان ممن يترخَّص ذكر اجتنابَه لجميع الكبائر، معدداً لها، ولجميع معاصي الأدنياء الدَّالة على الخِسَّة وقِلة الحياء، وقلة المبالاة بالدين، فيقول المعدِّل مثلاً: إن فلاناً ثقة عندي، لأني شاهدتُه يُقيم الصلواتِ الخمسَ، ويُحافظ عليها، ويصومُ رمضانَ، وُيؤدِّي الزَّكاةَ، ويؤدِّي فريضةَ الحجِّ إن كان ممَّن يلزمُه هاتان الفريضتان، ويذكر أنه يشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن
(١) في هامش (أ) فوق كلمة هل ما نصه: أي: سواء أخبروا ...