للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنزلت هذه الآية: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً} [النساء: ٩٣]، ثم أهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه يوم فتح مكة، فأدركه الناس وهو في السوق فقتلوه.

فهذا السبب يدلُّ على دخول الكفار في الوعيد، وإذا كانوا داخلين فيه جاز أن يُرادوا بالخلود الذي فيه، ويُخَصُّوا به لنزول الآية بسببهم كما نزل فيهم: {من كان يريد الحياة الدنيا} الآية وتجويز ذلك في أمثال هذا مجمعٌ عليه، وإنما يختلف العلماء في الظاهر المظنون في العمليات، هل هو شمول غير السبب أم لا، وللعلماء فيه قولان معروفان، وممن قال بقصره على سببه ما لم يدلُّ دليلٌ على شموله الشافعي، ومن قال بقوله، وهو ظاهر مذهب أهل البيت والشيعة، فإنهم أخرجوا نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: ٣٣] بسبب الحديث الوارد (١)


= انظر " سيرة ابن هشام " ٣/ ٣٠٥ - ٣٠٦، و" تاريخ الطبري " ٣/ ٦٦، وتفسيره ٩/ ٦٢، و" معجم البلدان " فارع.
(١) أخرجه الترمذي (٣٢٠٥) عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لما نزلت هذه الآية على النبي - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} في بيت أم سلمة، فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره، فجللهم بكساء، ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذْهِبْ عنهم الرجس، وطَهِّرْهم تطهيراً "، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله، قال: " أنت على مكانك وأنت علي خيرٍ ". وأخرجه (٣٨٧١) من حديث أم سلمة بنحوه وقال: هذا حديث حسن، وهو أحسن شيء رُوِيَ في هذا الباب.
وأخرج مسلم (٢٤٢٤) من حديث عائشة قالت: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - غداةً وعليه مِرْط مُرَحَّل (كساء موشى) من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.
والصواب أن الآية نص في دخول أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في أهل البيت ها هنا، لأنهن سبب نزول هذه الآية، لكنه - صلى الله عليه وسلم - بيّن في هذا الحديث أن المراد بها أعمُّ من ذلك، ولا شك أن قرابته - صلى الله عليه وسلم - أحق بهذه التسمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>