للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّلَمَةَ والكَفَرَة من عذاب الله، ولم يأتوا عليه بأثارةٍ من علمٍ من كتاب الله ولا من سُنَّةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من أحدٍ من سلف هذه الأمة، المجمع على فضلهم ونبلهم، وعلى قيامهم بحق علوم الإسلام من قبلهم.

فإن قيل: أين موضع التشنيع عليهم بالترخيص، وقد أوجبوا خلود القاتل في النار؟

قلت: موضعه أنهم عكسوا المعلوم في ذلك بالقرائن الضرورية، وذلك أن سبب الوعيد العظيم في هذا الذنب هو حق المؤمن، والتعدي في احترامه، لا مجرد مخالفة أمر الله الذي غَفَرَه الله في الصغائر، فجعلوا العذاب العظيم فيه لا في مقابلة ما عظَّمه الله تعالى من حق المؤمن، وأهل السنة عظَّموا حق المؤمن، ومنعوا الرجاء فيه وجعلوا العقاب عليه، وجعلوا تجويز الرجاء في حق الغني الحميد لنصوص خاصة، فقصدوا الجمع بين الإيمان بالجميع سبيل تقديم الخاص لأنه أبينُ، وتقديمه القاعدة المستمرة عند علماء الإسلام في مثل هذا.

تكميل: أما الأحاديث التي يحتج بها المعتزلة على خلود أهل الكبائر، فهي كلها في القتل، وهي بصيغة العموم، كلها كالآية سواء، وهي كلها عن أبي هريرة، وكثيرٌ منهم يقدَحُ فيه، ومن لا يقدح فيه يوثق من يقدح فيه منهم، والكلامُ فيهما واحد، إلاَّ حديث علي عليه السلام في أهل السرية الذين أمرهم أميرهم بدخول النار، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " لو دخلوها ما خرجوا منها " فإن الصحيح فيه كما يقدم أنه قال: " ما خرجوا منها إلى يومِ القيامة ". رواه البخاري ومسلم والنسائي (١)، وذكره ابن الأثير في الغَزَوات (٢)، ورُوِيَ: " ما خرجوا منها أبداً " (٣) ولكن تلك الزيادة صحيحة، وهي مبينةٌ مفسرة واجبٌ قبولها، ولا قائل أيضاً بتأبيد عذاب البرزخ لتوسُّط يوم القيامة وهو خمسون ألف سنة، ولهذا (٤)


(١) تقدم تخريجه ص ٦٣.
(٢) " جامع الأصول " ٨/ ٤١٥ - ٤١٦.
(٣) لفظ البخاري (٧١٤٥).
(٤) في (ف): " ولها ".

<<  <  ج: ص:  >  >>