للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وإني لَغَفَّارٌ لمن تاب وآمن}، وهذه كلها في المشركين، وكذا قوله: {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له} [الزمر: ٥٤]، من بعد قوله: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣] يدل على أنها نزلت فيهم، وأنهم المرادون بهذا الأمر بعدها، فلو أراد الجميع لقال في هذه الآيات: إلاَّ من تاب أو آمن.

ومن ذلك -وهو الثالث من أدلتهم- قوله تعالى في الحجرات [٢]: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُون} وفيها حجةٌ للجميع على المرجئة إن سَلَّموا أن ذلك ليس بكفر ولا يؤول إلى الكفر، لتضمُّنِه الاستهانة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ قد صح أن الآية لم تنزل فيمن هو جهوريٌّ الصوت خِلقةً لا اختيار له فيها، فروى موسى بن أنس، عن أنس بن مالك، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - افتقد ثابت بن قيسٍ، فقال رجل: أنا أعلم لك علمه، فوجده جالساً في بيته منكّساً رأسه، فقال: ما شأنك؟ قال: شَرٌّ، من كان يرفع صوته فوق صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد حَبِطَ عمله، وهو من أهل النار، فأتى الرجل، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجع المرة الثانية ببشارةٍ عظيمةٍ، فقال: " اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة " رواه البخاري وحده في علامات النبوة، وفي التفسير عن ابن المديني، عن أزهر بن سعد، عن ابن عون، عن موسى (١).

فإن قيل: في هذا فَهِمَ ثابتٌ لما فهمته المعتزلة من ظاهر الآية، وهو حجةٌ، لأنه (٢) عربي.

قلنا: لا يصح ذلك مع بطلان ما فهمه بالنص النبوي الموافق لما فهمه أهل السنة، وقد يَغْلَطُ العربي في فهمه كما غَلِطَ عدي بن حاتم في الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وقال له - صلى الله عليه وسلم -: " إنك لعريض القفا " (٣).


(١) تقدم تخريجه.
(٢) في (ف): "وهو".
(٣) أخرجه البخاري (١٩١٦) و (٤٥٠٩) و (٤٥١٠)، ومسلم (١٠٩٠)، والترمذي =

<<  <  ج: ص:  >  >>