وقال ابن القيم في " شفاء العليل " ص ٢٨١: وقوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} فهذا أمر تقدير كوني لا أمر ديني شرعي، فإن الله لا يأمر بالفحشاء والمعنى: قضينا ذلك وقدرناه. وقالت طائفة: بل هو أمر ديني، والمعنى أمرناهم بالطاعة، فخالفونا وفسقوا، والقول الأول أرجح لوجوه. أحدها: أن الإضمار على خلاف الأصل فلا يصار إليه إلاَّ إذا لم يمكن تصحيح الكلام بدونه. الثاني: أن ذلك يستلزم إضمارين أحدهما: أمرناهم بطاعتنا، الثاني، فخالفونا أو عصونا ونحو ذلك. الثالث: أن ما بعد الفاء في مثل هذا التركيب هو المأمور به نفسه كقولك أمرته ففعل، وأمرته فقام، وأمرته فركب لا يفهم المخاطب غير هذا. الرابع: أنه سبحانه جعل سبب هلاك القرية أمره المذكور، ومن المعلوم أن أمره بالطاعة والتوحيد لا يصلح أن يكون سبب الهلاك، بل هو سبب النجاة والفوز. فإن قيل: أمره بالطاعة مع الفسق هو سبب الهلاك. قيل: هذا لا يبطل بالوجه. الخامس: وهو أن هذا الأمر لا يختص بالمترفين بل هو سبحانه يأمر بطاعته واتباع رسله المترفين وغيرهم، فلا يصح تخصيصُ الأمر بالطاعة بالمترفين يوضحه. الوجه السادس: أن الأمر لو كان بالطاعة لكان هو نفس إرسال رسله إليهم، ومعلوم أنه لا يحسن أن يقال: أرسلنا رسلنا إلى مترفيها ففسقوا فيها، فإن الإرسال لو كان إلى المترفين، لقال من عداهم: نحن لم يُرسل إلينا. السابع: أن إرادة الله سبحانه لأهلاك القرية إنما يكون بعد إرسال الرسل إليهم وتكذيبهم، وإلا فقبل ذلك هو لا يريد إهلاكهم لأنهم معذورون بغفلتهم، وعدم بلوغ الرسالة إليهم، قال تعالى: {وما كان الله ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} فإذا أرسل الرسل، فكذبوهم أراد أهلاكها، فأمر رؤساءهم ومترفيها أمراً كونياً قدرياً لا شرعياً دينياً بالفسق في القرية فاجتمع أهلها على تكذيبهم وفسق رؤسائهم، فحينئذ جاءها أمر الله وحق عليها قوله بالإهلاك. وسيأتي رد المؤلف على الزمخشري في الصفحة ١٩٢.