للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما قلت: إن صحته ظنيةٌ، لأن الخلاف فيها شهيرٌ بين علماء الإسلام، وممن ينفي صحته أبو حنيفة وأصحابه، وهو إمام الزمخشري وكثير من المعتزلة، والأدلة من الجانبين ظنيةٌ، وهذه الآية من مفهوم الشرط أحد أقسام مفهوم المخالفة، وقد خالف في صحته مع الحنفية قاضي القضاة عبد الجبار، وأبو عبد الله البصري، والباقلاَّنيُّ، كل هؤلاء نَفَوْا كونه حجةً ظنيةً في الفروع كيف في القطعيات (١).

ومن أدلتهم: أنه قد وُجد الشرط من غير مخالفة في كثيرٍ من المواضع، مثل ما اتفق عليه الجمهور من قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَاب} [النساء: ٢٥]، لأنه عند الجمهور كذلك وإن لم يُحْصَنَّ، ولم يقل أحدٌ بتأثيم من خالف في مفهوم المخالفة كله، كيف في مفهوم الشرط وحده، وعلى تسليم أنه حجة ظنية فلا يلزم عند أحدٍ من القائلين به أن يكون ما خالف (٢) الشرط على ضدِّ حكمه بنفي مخالفه كما ذكرنا في كلام الخليل عليه السلام، وأيضاً فشرطُ مفهوم المخالفة عند جميع من يقول به أن لا يكون تخصيص المذكور بالذكر محتملاً للموافقة بسببٍ من الأسباب، وقد بيَّنَّا في ما تقدم في الكلام على تكفير الصلوات الخمس لما بينها من الذنوب أنه قد صح أن كتم بعض المبشرات مقصود للنبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحوال، ولذلك صحَّ أنه قال: " من مات له ثلاثةٌ من الولد لم يبلُغُوا الحِنْثَ لم تمسَّه النار إلاَّ تحِلَّةَ القسم " قالوا: واثنان، قال: " واثنان "، قال بعضهم: ولو استزَدْناه لزادنا (٣).

قلت: وقد صح في الواحد حديث خرَّجه البخاري لكن بلفظ الصَّفِيِّ كما


(١) انظر " شرح مختصر الروضة " ٢/ ٧٢٥. وأبو عبد الله البصري: هو الحسين بن علي الفقيه المتكلم المعتزلي الحنفي، صاحب التصانيف، المُلَقَّب بالجُعل، المتوفى سنة ٣٦٩ هـ. انظر " سير أعلام النبلاء " ١٦/ ٢٢٤.
(٢) في (ش): " مخالف ".
(٣) تقدم تخريجه ص ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>