للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعمري إن الفصيح قد يعدِلُ عن التصريح إلى التلويح، لكن على وجهٍ يكونُ أبلغ من التصريح، ويكون ذلك لغرضٍ صحيح. إلى آخر ما ذكراه في هذا الفصل في إثبات النبوات، وهذا مُجَوَّد في علم المعاني، والشيخ لا يُؤْتى فيه من عدم المعرفة ولا من قلَّتِها، وإنما اضطره اعتقاده إلى ما وقع فيه، فإذا تقرَّرَ هذا، فمحالٌ أن تجيء العبارة هكذا عن اختيارٍ مع حكم تقدير أن مراده بيانُ ما ذكره الزمخشري من الفرق بين التائب وغيره على كل تقدير، فبَطَلَ ما أدَّى إلى هذا الباطل، والحمد لله الذي هدانا لهذا وكفى بربك هادياً ونصيراً.

وقد رُوِيَ عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: ما في القرآن آيةٌ أحبُّ إليَّ من هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]. رواه الترمذي، وقال (١): حديث حسن غريب.

وقال الحاكم في " المستدرك " (٢) في تفسير سورة النساء: حدثنا أبو العباسِ محمد بن يعقوب، أخبرنا أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكرٍ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن بِشْر (٣) العَبْدي، حدثنا مسعرُ بن كِدامٍ، عن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، [عن] عبد الله بن مسعود قال: إن في سورة النساء لَخَمْسَ آيات ما يَسُرُّني أن لي بها الدنيا وما فيها، ثم عدَّها، وعَدَّ فيها: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. وصححه الحاكم عند من يقول إن عبد الرحمن سمع من أبيه، فإن في ذلك خلافاً بين الأئمة.

قلت: المثبت أولى من النافي، وذكر الذهبي في " الميزان " (٤) عن ابن معين


(١) رقم (٣٠٣٧) وفي إسناده ثُوير بن أبي فاختة، وهو ضعيف.
(٢) ٢/ ٣٠٥. وأخرجه الطبراني في " الكبير " (٩٠٦٩) من طريق سفيان، عن مسعر، بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في " المجمع " ٧/ ١٢: ورجاله رجال الصحيح.
(٣) تحرفت في الأصول إلى: " قنبر ".
(٤) ٢/ ٥٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>