للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الخامس: أن الزمخشري روى في " كشافه " عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لا صغيرةَ مع الإصرار ولا كبيرةَ مع الاستغفار " (١) فإن لم يكن هذا صحيحاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ينبغي له أن يدخله في تفسير كلام الله الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإن كان صحيحاً فقد خالفه في كلا الجُملتين، أما أنه خالف قوله: لا صغيرةَ مع الإصرار، فذلك معلومٌ بالضرورة من مذهبه ومذهب شيوخه، فإن الصغيرة عندهم مكفَّرةٌ بحسنات صاحبها، والكبير لا تُكَفَّر إلاَّ بتوبةٍ (٢). وهذا هو الفرق عندهم بين الصغائر والكبائر، ولكنهم لِعَدَمِ عنايتهم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعدم التفاتهم إليه لا ينظرون في صحة سنده، ولا في صحة معناه فالله المستعان.

وأما مخالفته للجملة الأخيرة، فلأنها من أدلة أهل السنة، وسيأتي ذلك قريباً عند الكلام على تفسير الاستغفار في اللغة والشرع، على أنه غير صحيح عند أئمة الأثر نقلاً، كما أنه غير صحيح عند أئمة النظر عقلاً، وإنما رواه أبو شيبة الخُراساني -مجهول- عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، وليس هذا في أحاديث هذين الإمامين، ولا عند أحد من ثقات أصحابهما. وقال الذهي: هو خبرٌ منكر، ذكره في ترجمة أبي شيبة من " الميزان " (٣).

الوجه السادس: أنا نظرنا في سائر كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لعلنا نجد ما يناسب ظاهر هذه الآية، أو يدل على تأويلها وصرفها عن ظاهرها، فإن القرآن يفسر بعضه بعضاً، وكذلك السنة تفسر القرآن، وقد كانت الصحابة تسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عما اشتد عليهم، أو أشكل عليهم فيوضحه لهم، فوجدنا القرآن والسنة يشهدان (٤) لتقرير هذه الآية الكريمة، والبُشرى الصادقة على ظاهرِها،


(١) تقدم تخريجه ص ١٧٣، وأنه لا يصح.
(٢) في (د) و (ف): " بحسنات صاحبها لا بتوبته ".
(٣) ٤/ ٥٣٧.
(٤) في (ش): " تشهد ".

<<  <  ج: ص:  >  >>