للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وبالغ الحاكمُ في تصحيحه، فقال: صحيح، قد تداولته الأئمَّةُ، واحتجا بجميع رُواتِه، ولا أعلمُ له علةً، وقيل: من حديث ابن عمر بن الخطاب موقوفاً، ولعلها علَّتُه إن كانت له علَّةٌ، ولم يخرِّجه البخاري ولا مسلمٌ، وخرَّج أبو داود من حديث ابن عباس عنه - صلى الله عليه وسلم -: " بُخِسَتْ صلاته أربعين يوماً " وهو أشبه، وهو خلاف قول من قال بالإحباط، ويحتمل تأويل عدم القبول بالبخس، كما رواه ابن عباس، والله أعلم (١).

وعن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنه قال: " من تعلَّم صرف الكلام لِيسبِيَ به قلوب الرجال، أو الناس، لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً، ولا عدلاً " رواه أبو داود (٢)، وهذا كالأول في معناه إن شاء الله تعالى، وقد تكلم الشيخ تقي الدين في " شرح العمدة " على معنى القبول وعدمه، وذكر الاختلاف في ذلك، وجوَّد الكلام فيه، ولي فيه كلامٌ زيادة على كلامه وتكميلٌ، وليس هذا موضع بسطه، وقد تقدم القول بأنه لا مانع قاطع من الإحباط على قواعد أهلِ السنة، ويكون العبدُ معه في مشيئة الله تعالى.

الوجه الثاني: أن الآية تدل على أن المصدِّق بقلبه، الموقن، المخلص (٣) من النفاق يُسمَّى مُحسناً، ويستحقُّ ما وعد الله به المحسنين، والآية كافيةٌ في الدلالة على ذلك، فإنه لم يجعل المحسنين من لا ذنب له، لقوله بعد ذلك: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} [الزمر: ٣٥].

ويوضحه قوله تعالى: {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: ٨٥]، فجعلهم من المحسنين بقولهم، وهو ما قدم من قولهم: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِين} [المائدة: ٨٤].

ويوضحه قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاة


(١) انظر ٨/ ١٣١ - ١٣٢.
(٢) برقم (٥٠٠٦)، وسنده منقطع.
(٣) في (ش): " المخلص بقلبه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>