{ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن}، وقوله:{أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ}[الأحزاب: ١٩]، وتأويل ابن الحاجب يقرر هذا، وكلام الزمخشري يوجب أن العمل شرطٌ في نفع الإيمان، وهو خلاف السمع كما تقدم، وخلافُ الإجماع، فقد يتعذَّرُ العمل كما في إيمان الأصم الذي لم يسمع شيئاً من الشرائع، ومن مات قبل التمكن من العمل، وقال تعالى:{قالوا} -أي الذين آمنوا- {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}[البقرة: ٢٤٩]، وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ٩ - ١٠]، وقال تعالى:{لكيلا يكونَ على المؤمنين حَرَجٌ في أزواج أدعيائهم}[الأحزاب: ٣٧]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزاب: ٤٩]، وقال:{خالصةً لك من دون المؤمنين}[الأحزاب: ٥٠]، وقال:{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا}[الأحزاب: ٥٨]، وقال:{لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب: ٧٣]. والخصوم خالفوا في هذه الآية وحدها دُونَ ما تقدمها في " الأحزاب "، مع قرينة تقديم المنافقين والمشركين، فإنها تدل على أن المؤمنين من عداهم.
وليس العجب من الخلاف على جهة الظن وتجويز تصويب الجميع، إنما العجب من القطع في غير موضعه، وقال تعالى:{قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ}[السجدة: ٢٩]، وفي غير آيةٍ:{ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمنٌ}، فلو كان المؤمن هو عامل الصالحات، لكان المعنى: ومن يعمل من الصالحات وهو عاملٌ لها، فيكون عملُها كلُّها شرطاً في عمل بعضها، ولذلك يدخُلُ صاحب الكبيرة بالإجماع في مثل: {يا أيُّها الذين آمَنُوا إذا قُمْتُمْ