للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا بابٌ واسعٌ، ليس القصد التعرض إلى تقصِّيه، إنما القصد الترغيب في كثرة الاستغفار، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء: " إني رأيتُكُنَّ أكثرَ أهلِ النار، فتصدَّقن وأكثِرْنَ الاستغفار " (١).

ورابعها: خوفُهم له، لعلمهم بقدرته وعدله، وخفيِّ حكمته في ترجيحِ العقوبة على العفو في بعض الأشخاص وبعض الأوقات، وعدم إيمانه لهم، حيث قال: {إنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غيرُ مأمُونٍ} [المعارج: ٢٨]، وأنه لا حُكم للعبد على الرب، وأن الخواتم والسوابق مجهولةٌ، والخوف من أعظم الحسنات، لقوله تعالى: {ذلك لمن خَشِيَ ربه} [البينة: ٨]، وسوف يأتي هذا.

وخامسها: رجاؤهم له، لعلمهم بأن رحمته هي السابقة الغالبة الواسعة لكل شيءٍ، التي نصَّ في كتابه أنه كتبها على نفسه، وسوف يأتي هذا مبسوطاً.

وقد قال يحيى بن معاذٍ (٢). إن سيئةَ المؤمن مقرونةٌ بحسنتين: الخوف والرجاء، وكل حسنة بعشرِ أمثالها، فصارت سيئةً مقرونةً في الحقيقة بعشرين حسنةٍ.

وسادسها: اغتمامه بذنبه، وحُزْنُهُ لأجله، وقد ورد في غير حديثٍ: " إن المؤمن من سَرَّته حسنتُه وساءته سيِّئَتُه ". رواه البخاري ومسلم (٣) عن عمر بن الخطاب في خُطبته، ورواه الحاكم في كتاب الإيمان، عن أبي موسى، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: صحيح على شرطهما. وقد احتجا برواته عن آخرهم.

قال: وله شاهد بهذا اللفظ، ثم رواه من ثلاثِ طرقٍ عن يحيى بن أبي كثيرٍ،


(١) أخرجه من حديث ابن عمر أحمد ٢/ ٦٦ - ٦٧، ومسلم (٧٩)، وابن ماجه (٤٠٠٣)، والبيهقي ١٠/ ١٤٨.
(٢) هو أبو زكريا يحيى بن معاذ الرازي، الواعظ. من كبار المشايخ، له كلام جيد، ومواعظ مشهورة. توفي سنة ٢٥٨. انظر ترجمته في " السير " ١٣/ ١٥.
(٣) هذا وهم من المؤلف رحمه الله، فإنه لم يخرجه البخاري ومسلم ولا أحدهما، لكنه حديث صحيح، وقد تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>