للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدُّنيا لَعِبٌ ولَهوٌ} [محمد: ٣٦]، ويمكن أن يحمل على الحصرِ المخصوص بالنسبة إلى من جعل الدنيا دون الآخرة همَّه، لا بالنظر إلى المؤمن، فإنَّ دنياه صارت وسيلةً له إلى الآخرة، والآية المقدمة في حصر المؤمنين على أرفعهم مرتبةً، يحتمل أن يكون المراد بها حصراً مخصوصاً، وذلك أن يكون حصر المؤمنين المستحقِّين للدرجات الرفيعة والمراتب الشريفة، وهم الذين كَمُلَ إيمانهم، وتمَّ إحسانهم، ويدل على هذا قوله بعد الآية: {لهم درجاتٌ عِنْدَ ربِّهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ} [الأنفال: ٤].

فهؤلاء المخصوصون بهذه الدرجات الرفيعة هم المحصورون إن شاء الله تعالى، كقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} [التوبة: ١٨]، ولا بُدَّ من هذا على أصول أهل السنة والمعتزلة، وإن كان كثيرٌ من أهل الاعتزال يحسبونها حجةً لهم وحدهم، فليس (١) كذلك، وقد احتج بها ابن بطَّال في " شرح البخاري " وغيره من أهل السنة على مثل مذهب المعتزلة في التسمية (٢)، ولا بد للجميع من التجوز في ذلك، وإلا لزمهم نفيُ إيمان من قصَّر من ذلك، وإخراج من لم يُوْجَلْ قلبه عند ذكر الله من الإيمان، وهذا خلاف الإجماع.

ومن ذلك ما روى أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " المسلم من سلم الناس من لسانه ويَدِه، والمؤمن من أمَّنَه الناس على دمائهم وأموالهم ". رواه الترمذي والنسائي والحاكم، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (٣).

وروى مسلمٌ (٤) من حديث جابرٍ أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " المسلم من سلِمَ المسلمون من لسانه ويده ". وتفسير هذا ما رواه مسلم (٥)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي المسلمين خيرٌ؟ قال:


(١) في (ش): " وليس ".
(٢) في (ش): " التشبيه ".
(٣) تقدم تخريجه ٢/ ٤٣٩.
(٤) برقم (٤١)، وقد تقدم ٢/ ٤٣٩.
(٥) برقم (٤٠)، وانظر ٢/ ٤٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>