الثاني: أنه -مع هذا- يحتملُ الاختلاف، ألا ترى أنه يجوزُ أن يكونَ أهلُ ذلك البيت منهم مؤمنٌ مخلصٌ، ومنهم مسلمٌ دونه في اليقين، فجاء حينئذٍ بأعمِّ العبارتين، ولا سيما إن حملنا اسم البيت على الحيِّ من بُيوتاتِ العربِ، وهو أحدُ معانيه، ذكره في " الضِّياء ".
ومن أدلتهم، قوله تعالى:{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} بعد قوله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا}[الحجرات: ١٧].
والجواب: أن الإيمان يلازم الإسلام الصادق قطعاً، والمعنى: إن كانوا صادقين في قولهم: أسلمنا، فهي كقوله تعالى في بني إسرائيل:{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[البقرة: ٩٣]، فلم يلزم من إضافة الإيمان إليهم في قوله:{إِيمَانُكُمْ} صحته مع قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، فكذلك هؤلاء لقوله:{إن كنتم صادقين}، ولا سيما والظاهر أن هؤلاء هُمُ الذين قال لهم قبل هذا بقليل:{قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}[الحجرات: ١٤]، فلذلك لم يُثبت لهمُ الإيمان مطلقاً، لأن إثباته مطلقاً يُناقِضُ نفيه، وإنَّما أثبته على تقدير صدقهم في إسلامهم، لأن صدق الإسلام هو مطابقةُ اعتقاد القلب لما يظهَرُ من أفعال الجوارح، كما تقدم شرحه، وهذا بيِّنٌ والحمدُ لله رب العالمين.
وهذا آخرُ البحث عن أدلَّة المخالفين، والجواب عليهم، وقد طالَ وأمَلَّ، ولكن كثرةُ جهلِ بعض المعاصرين أثارَ البساط إلى ذكر قليلٍ من كثيرٍ من علوم العارفين، والله تعالى ينفع بذلك ويعيذُني من فتنتَي العلم والجهل معاً، وهو حسبي ونعم الوكيل.