للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقولهم: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [المائدة: ٨٤ - ٨٥]. فجزاهم بالقول الصادق المُخلِصِ لله تعالى، فدلَّ على أن ذلك أدنى مراتب التقوى.

ويُقوِّي هذا ما ثبت في تفسير الظلم بالشرك (١) فإنه متى انتفى الظلم الموعودُ صاحبُه بالخلود لم يَبْعُدْ ثبوتُ التقوى الموعود صاحبها بالجنة، ولو بعد عذابٍ منقطعٍ، وقد ثبت تفسير الظلم بالشرك من حديث ابن مسعودٍ عند البخاري ومسلم من قول أبي بكر، وعند الحاكم في التفسير.

ومما يدلُّ على ذلك من كتاب الله تعالى قوله سبحانه في أول سورة البقرة [٢ - ٣]: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} فهؤلاء أهل المرتبة الرفيعة من المُتقين الذين جمعوا بين الإيمان والعمل، ثم عطف عليهم أهل المرتبة (٢) الدنيا من المُتَّقين، فقال: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُون} [البقرة: ٤]، ولذلك ذكرهم بعد أهل المرتبة الرفيعة، ليعلم أن غيرهم متَّقون (٣)، وذكر بعدهم الكفار والمنافقين، وإلا، فحرف العطف كافٍ في إفادة ذلك كما سيأتي تقرير ذلك، وهذا مثل ما قال في سورة المعارج [٢٦]: {والذين يُصَدِّقُون بيوم الدِّين}، بعد قوله [٢٢ - ٢٥]: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم}، فلم يكن من هذه حالُه يَشُكُّ في يوم الدِّين، ولا يُوصَفُ بهذا الثناء بأرفع مراتب القرب لمجرد التصديق، وإنما هذا في معنى البيان لأقسام أهل الجنة الذين أجملهم في " الواقعة " و" الرحمن " وغيرهما.

ويدل عليه أمورٌ، منها: ذكرُ المصلين مرتين في سورة " المؤمنين "، وفي


(١) انظر ص ١٨٧ من هذا الجزء.
(٢) " الدنيا " ساقطة من (ف).
(٣) في الأصول: " متقين "، والجادة ما أثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>