للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن القُشَعرِيرة هي الانقباضُ، ومنه حديث كعبٍ أن الأرض إذا لم تُمطر اربَدَّتْ واقشعرَّت (١).

وحديث عمر لما ضرب أبا سفيان بالدَّرَّة، قالت له هندُ: لرُبَّ يومٍ لو ضربتَه، لاقشعرَّ بطنُ مكة. قال: أجل (٢). ذكرها ابن الأثير في " نهايته " (٣).

فكأنَّ هؤلاء ابتدؤوا (٤) بالتَّفكُّر في أعمالهم، وذُنوبهم، وجهلِ خواتِمِهم، وما سبقَ في علم الله لهم، فاشتدَّ خوفهم، حتَّى انتهى بهم الفِكرُ إلى رحمة الله تعالى وغناه وجمعه بين عظيم (٥) الملك، وعظيم الحمد، فاستقرَّ في هذا المقام قرارُهم، واجتمعت عليه جلودُهم وقلوبُهم، ولذلك أجمع العلماءُ على ترجيح الرَّجاء عند الموت، لأنه اللائِقُ بالله، وإنما خِيفَت منه المفسدة على العبد، فعُوِّضَ بالخوف، لأجل المصلحة، فإذا حقَّتِ الحقائق عند النَّزْعِ، بطَلت مصلحةُ الخوف، وتعيَّن الرَّجاء واللَّجأ.

قال صاحب " الابتدا " في تفسيره " تجريد الكشاف مع زيادة نكتٍ لطاف ": وإنما عدَّاهُ بإلى، لأنه ضمَّنه معنى يسكنُ ويطمئنُّ، واختلف: فقيل: تقشعرُّ من آياتِ وعيده، وتلينُ من آيات وعده عن السُّدِّيِّ. وقيل: تقشعرُّ لإعظامه خوفاً،


(١) انظر " غريب الحديث " للخطابي ٣/ ٧.
(٢) أخرج ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (كما في " تهذيبه " ٦/ ٤٠٩ لعبد القادر بدران) عن جويرية بن أسماء أن عمر قدم مكة، فجعل يجتاز في سككها ويقول لأهل المنازل: قُمُّوا أفنيتكم، فمرَّ بأبي سفيان، فقال له: قمُّوا فناءكم. قال: نعم يا أمير المؤمنين، حين يجيءُ مُهَّانُنا. ثم إن عمر اجتاز بعد ذلك، فرأى الفناء كما كان، فقال: يا أبا سفيان، ألم آمركم أن تقمُّوا فناءكم؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، ونحن نفعل إذا جاء مُهَّاننا، فعلاه بالدِّرَّة بين أذنيه، فضربه، فسمعَتْ هندُ، فقالت: أتضربه، أما والله لرُبَّ يوم لو ضربته لاقشعرَّ بك بطن مكة. فقال عمر: صدقت، ولكن الله رفع بالإسلام أقواماً، ووضع به آخرين.
(٣) ٤/ ٦٦.
(٤) في (ش): " ابتدؤوه ".
(٥) في (ش): " عظم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>