الإسلام، رباني العِترة الكرام، وسلالة الأئمة الأعلام عليُّ بن محمد بن أبي القاسم، أبقاه الله غُرَّةً شادِخة في الأنام، وذِروة باذِخَةً على مرور الأيام في جوابه على تلميذه وولدِه الصَّنو محمد بنِ إبراهيم (الوزير) في نقضه لما انتزعه مِن قصيدته التي أشار فيها إلى عقيدته، وجدته -أيده الله- قد نسب إلى محمد في بعض ما ذكره ما لم يَقُلْه، وَفَهِمَ من أبياته ما لم يقصده، وقد أطلق المحققون من الأصوليين أن الفهم شرطُ التكليف، وإليه ذهب بعضُ القائلين بجواز التكليف بالمستحيل، وقد نصَّ على ذلك ابن الحاجب في " منتهى السول " فكيف لا يشترط ذلك في جواز كمال التكليف، ومن حق الجواب أن يكون لِما ورد عليه مطابقاً، ولما سيق من أجله موافقاً، وأن لا يؤاخذ بمفهوم الخطاب، ولا يقطع بوهمٍ يُخالِفُ الصواب، فإن مِن حق الناقض لكلام غيرِه أن يفهمه أولاً، ويعرف ما قصد به ثانياً، ويتحقق معنى مقالته، ويتبين فحوى عبارته، فأما لو جمَعَ لخصمه بَيْنَ عدم الفهم لقصده، والمؤاخذة له بظاهر قوله، كان كمن رمى فأشوى، وخَبَطَ خَبْطَ عشوا. ثم إن نَسَب إليه قولاً لم يعرفه، وحمَّله ذنباً لم يقترِفْه، كان ذلك زيادةً في الإقصا، وخلافاً لِما بِهِ الله تعالى وَصَّى، قال تعالى:{وَإذَا قُلْتُمْ فاعْدِلُوا}، وقال تعالى:{قُلْ أمَرَ ربِّي بالقِسْطِ}، وقال تعالى:{وَلاَ يَجْرِمِنكُم شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أنْ لاَ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أقْرَبُ لِلتَّقوى} إلى أمثالها من الآيات.
وكانت قصيدة محمد قد اشتملت على أشياء أجبتها، وكلامات نقضتها بكلام جُمْلي (١) لأن الشعر لا يحتمل أكثر من ذلك. ولما عدل السيد أيده الله إلى نقضها بكلامه، وأفاض عليها سَجْلا من علمه، وكان