للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك يقتضي الشَّكَّ المتساوي الطرفين، فالحكمُ بأحدهما ترجيحٌ لما ليس براجح من غير مرجَّح، وذلك قبيحٌ عقلاً، وإمَّا أن يُفيد الظَّنَّ الراجحَ لِصدقه، وحينئذٍ يكون القولُ بالنسخ راجحاً، والقولُ بعدمه مرجوحاً، فوجب العملُ بالراجح، لأنَّا لو لم نعمل به، لكُنَّا إمَّا أن نتوقَّفَ، أو نعمل على عدمِ النسخ، وفي الأوَّلِ المساواة بين الراجح والمرجوح، وفي الثاني ترجيحُ المرجوحِ على الراجع، وكلاهما قبيحٌ في العقل.

فإن قلتَ: إنَّه يجوز أن ينبني النسخُ على الظَّنِّ والاجتهاد.

فالجواب: ما ذكر أبو طالب في " المجزي " من أنَّ ذلك خلاف الظاهر، فإن ظاهر (١) قوله: هذا منسوخ، الخبرُ، ولهذا فإنَّه لو بيَّن مستندَه في ذلك، لم يجُزِ الرجوعُ إلى قوله: هو منسوخ، لأنَّه حين بيَّن المستندَ قد وكَل الناظرَ إلى النظر فيما أبداه من حجته، وحين أطلق القول بالنسخ ولم يُضف ذلك إلى اختياره وظنه، ولا إلى دليل معيَّن كان ظاهره الخبر.

قال: وكذا إذا قال الصحابيُّ في الشيء: إنَّه حرام، ولم يُضفْ ذلك إلى نظره، ولا استدل عليه، فإنَّ ظاهره الخبرُ في طريقة شيخنا يعني أبي عبد الله البصريِّ.

فإن قلت: إن خبر الثقة بأنَّ هذا منسوخ يجوز أن يبنيه على الوهم، فلا يجوزُ تقليدُه فيه، مثالُ ذلك أنَّ العالم قد يعتقِدُ أنَّ النَّصينِ متعارضان وليسا كذلك، ثم إنَّه يَطَّلعُ على أنَّ أحدهما متأخرٌ، وأحدهما متقدم، فيقضي بنسخ المتقدم لاعتقاده لتعارضهمما، وهذا هو حجة لمن ردَّ ذلك.

والجواب على ذلك: أنَّه لا يلزم ذلك إلا في من كَثُرَ وَهْمُهُ حتَّى كان


(١) في (جـ) ظاهر خلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>