للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما مَنْ روى عن أبي بكر بنِ عبدِ الرحمان أن أبا هُريرة قال: أخبرنيه مخبرٌ، فليس يُناقِضُ أن ذلك المخبر هو الفضلُ، وإنما كان هذا الإجمالُ اختصاراً من مالك، لأن الإختلاف في هذه اللفظة إنما جاء عن مالك عن سُمَيٍّ، والدليلُ على أنَّه اختصار من مالك أن البخاري رواه عن عبدِ اللهِ بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن سُمَيٍّ يذكرُ الفضلَ باسمه، فدلَّ عَلى أن سُميّاً رواه كذلك، وأنَّ مالكاً في " الموطأ " أحبَّ الإجمال فيه، أو عَرَضَ له نسيان بعدَ الحفظ أنَّه سمع برواية عمر بن أبي بكر التي فيها ذكر أسامة، فأحبَّ الاحتياطَ بترك تسمية الواسِطَةِ، وبكل حالٍ فالإِجمال لا يُناقِضُ التعيينَ والنسيانَ، واختلافُ الأخبار في التسمية وتركُها جائزٌ على العلماء والثقات.

وفي الحديث ما يدُلُّ على إجلال أبي بكر بن عبد الرحمان لأبي هريرة، وكراهيةِ مواجهته بذلك، وعدم المسارعة إلى ما أمره به مروان في ذلك، ولو كان أبو هريرة عندَهم كاذباً متعمداً، لاستحقَّ الإهانةَ العظمى، بل القتل عند بعضِ أهلِ العلم، فقد كَفَّرَ بعضُ العلماء مُتَعَمِّدَ الكذبِ في الدين والتغيير للشريعة، وإن لم يكن مستحلاًّ لذلك، ومن حجته قولُه تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [الزمر: ٣٢] وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ} [النحل: ١٠٥] خرج من ذلك الكذبُ على غير الله ورسوله.

وقوله عليه السلام: " إنَّ كذِبَاً عليَّ لَيْسَ ككَذِبٍ على غيري، إنَّه مَنْ كذبَ عليَّ ولَجَ النَّارَ " (١)، وبقي الكاذبُ على اللهِ ورسوله لم يَخْرُجْ بحُجَّةٍ


(١) في (ج): ولج في النار، ولفظ الحديثِ في البخاري (١٠٦) من حديث علي =

<<  <  ج: ص:  >  >>